Saturday, April 08, 2006

مرآتي القبيحة

في ليلة قمراء شاعرية خالية من النجوم ذهبت لأستمع إلي حفلة موسيقية يعزفها فرقة من التخت الشرقي تعزف مقطوعات يُقال أنها من الزمن الجميل ، استبشرت خيراًً حينما تمايل الريح مع تمايل رأسي ..نعم فأنا هكذا أختبر حال يومي ، جلست في مقعد غير قريب و غير بعيد عن المسرح ، انتظرت متأوهة بسبب ظهري العليل و الذي صار يطرقع أكثر مما تطرقع أصابعي
لم يطفئوا الأنوار فاستأت و اغتظت .. أنا التي أكره الضوء بكل أنواعه كيف يفعلوا بي ذلك ؟ ..كان التخت مليئاً بالعجائز عازف العود و عازف الرق و عازف الناي ..و كذلك عازفي الكمان ..وجدت رجلاً عجوزاً من عازفي الكمان استهوني منظره و هو جالس في وضع العازف العارف بأصول العزف ، و ظللت أركز عليه بصري بضعة دقائق أحاول حفظ الشكل في ذاكرتي سريعة التطاير ... حتي انتابني شعور مقبض كئيب من ملامح العجوز ..فهو عابس و لا يبدو منه أي خلجة أو حركة مفاجئة تكسر رتابته أثناء العزف تثبت لي أنه حيّ ، و كأن الخيط الذي يربطه بالسماء قد قُطع فأصبح هكذا روحاً خامدة و تائهة ، ثم رويداً رويداً انكشفت لي حقائقه و هو في وضعه الجالس هذا ، فهو رجل عجوز يعاني من خواء مزمن ، يتخطف الفرص ممسكاً كمانه لكي يعزف هنا أو هناك كي يلتقط بضعة نقود يعيش بها ما تبقي من أيامه القصيرة الطويلة ، يعزف لأناس لا يسمعون غالباً ..نعم ..و لكن من قال أنه يهتم بهذا الهراء ..لم يعد يهمه هذا الكلام الآن ... ربما كان يهمه في الزمن الماضي حينما كانت لديه الطاقة الكافية لعدم تقبل وقائع أمور
أحسست بالسخافة ..سخافة مؤلمة ، فقدت متعة الإستماع إلي أي عزف .. تجنبت دون جدوي النظر إلي منظر العازف الذي صار كئيباً لا يطاق ، أردت القيام و لكني كنت مضطرة للتظاهر أمام رفقائي بأنني مستمعتة بهذه الموسيقي ـ و يُقال أنها من الزمن الجميل ـ شعرت بالإختناق ... جلست أبحث عن سبب لهذا الضيق ، تمعنت في مظهر العازف الكئيب ذي الكرش الدائري ، و في وجهه القاتم المتكئ علي الكمان ، و شعره الأشعث الأبيض ..انفعالاته دائماً طريقها إلي داخله

ينظر لما حوله بعين زجاجية تعكس و لا تري ، طبعه المستسلم الذي آل إليه .. نعم ..إنه هو انا!!
كأنني أري نفسي في مرآة ..لا .. بل أري نفسي في مرآة ، إنه هو أنا ..مجرجرة هكذا لمشاهد غريبة لكنها آمنة كي
أعيش في سلام ...أم أموت في سلام ؟
اعتدلت في جلستي و فردت ظهري المطقطق .. عليك اللعنة .. جئت آملة في الهروب لكن لا فائدة .. هذا الشعور بالإختناق لم أعد أطيقه .. قمت من مكاني متعللة بالذهاب إلي دورة المياه .. سرت مسرعة كأنني أهرب من كابوس قائم ناحية المدخل آملة أن يهدئني الهواء البارد
مررت بجانب مرآة معلقة ، لفت انتباهي شيء ما .. اقتربت أكثر كي أتأكد مما فوجئت به
وجدت الشيب قد خطّ شعر رأسي ، و تجاعيد غائرة لم أئلفها قد حُفرت في ثنايا وجهي
استندت علي المرآة لأن ألماً مفاجئاً انتاب ظهري و ركبتيّ
اه ...هي من أحد كي يُمسكني عن الوقوع ؟
.........
في ليلة قمراء شاعرية تتخلها موسيقي يُقال أنها من الزمن الجميل ، لم افلح في الهروب من قبح نفسي

11 comments:

هوميروس said...

حلوة التدوينة بس معرفش السطر الاخير مش مريحني ليه يعني زي ما يكون ده التلخيص بتاع التدوينة
ويابختك ياستي انك لقيتي وجهك القبيح في عازف الكمان مش بياع ذره علي الكورنيش او بياع عسلية في قطر 2:20
او في عم ابراهيم التربو سواق الميكروباص علي الاقل عازف الكمان شاعري اكتر ولو ان كلهم بيعزفوا
نأسف للاطالة

عوليس said...

وقال الرب هو ذا عازف الكمان

mindonna said...

هوميروس : مانا السطر الأخير أقصد بيه تلخيص التدوينة فعلا
عموما بياع درة عالكونيش ممكن ملاقيش فيه قبح ما أو حتي بياع العسلية ، أحيانا بلاقي علي وشهم رضا مش بعرف أوصله أبداً، لكن عازف الكمان ممكن ألاقي فيه قبح ما

عادي يا باشا ، طول زي مانتا عايز :)

عوليس : مش فاهماك لكن الجملة عجبتني :)

عوليس said...

كل الموضوع ان عالم عازف الكمان بالنسبه لى انا كمان عالم مبهر ممكن تشرفينا بالزياره وتقرى اخر تدوينه

M. El-Hajj said...

أما أنك عبيطة و الله

abu elleil said...

ساعات كتير يا ميندونا بحس إن فيه تفصيلة معينة في المشهد العام بتسحبني عندها لدرجة إنها بتنسيني المشهد العام, و غالباً التفصيلة دي بتفكرنا بحاجة مرتبطة بينا من غير ما نشعر
يعني ممكن الحاجة دي تكون شبه حاجة فينا, أو ممكن تكون خوف من حاجة ما نحبش إنها تكون فينا, أو حاجة نتمنى لو كانت موجودة فينا..
ساعات الكاميرا الداخلية اللي جوانا بتختار الكادر لا شعوريا و بتعمل الزووم
دي لحظة توحد مع النفس بعيشها كتير

تدوينة متعبة
تحياتي

mindonna said...

عوليس : قريت القصيدة اللي عندك ، عجبتني جدا
و لاون عازف الكمان هنا مش شاعري زي بيباس :)

زنجي :اما ان لسانك طويل و الله
:p

أبو الليل : بصراحة من زمان مقريتش تعليق حسسني ان حد بيقرا البوست بتركيز و بجد
شكرا يابو الليل
انا عموما من كتر مانا بركز ف التفاصيل بنسي ان في مشهد عام من أصله :)

mindonna said...

لو مش عجبك يا أوحي فوزي متتحفنيش بوشك تاني هنا و حياة أبوك

ده الواد مجاهد طلع عنده حق

Hany Mihanny said...

لا تعليق بجد
::
بقالي كتير محستش انك لبستي الشخصية او هي لبستك بالشكل ده !!...اللي اتكلم عنه ابو اليل ممكن اتفذلك فيه واقول ان هو ده تعميم مشاعرك الخاصة لدرجة ان لازم كل واحد يشوف فيها تفصيلة هتلمس اكيد وتر جواه
وده ساعات بيخلينا ننبهر بالنص لكن منعرفش نمسك وحدة بنائه
هنا انا شوفت وحسيت وفهمت
لكن ممكن اقولك حاجة بصراحة لو كنت انا اللي هكتب النص ده اكيد مكنتش هضيف السطر الاخير..جايز خفتي احسن نتوه جوه التفاصيل الكتير فحبيتي تيسري الموضوع علينا وتجمعي لينا الفكرة في اخر سطر
اتعبي القارئ وخليي واثقه انه اكثر ذكاء
:::
طبعا مش محتاج اقول ان كل الفذلكة اللي فوق ديه مش اكتر من اني عايز اقولك ان النص فعلا جميل

Khalid said...

مندونا...
عزيزتي اللطيفة، بالغة الرقة, الغارقة في الغموض و الأحزان!
مندونا!
يا جميلة الكتابات! يا لطيفة المعشر!

دعي المرايا الحمقاء! دعي العازفين السكارى، و اجيبيني:

متى تجدين مرآة صادقة؟ ترين فيها جمال نفسك, كما أراها؟ :)

mindonna said...

مجاهد : السطر الأخير من البوست مش أقصد بيه توضيح للقارئ ، هي مش جت كده
بس انا حبيت أكرر الفكرة لا غير ، يمكن أكون متأثرة بعمل معين كنت بعجب فيها بفكرة تكرار نفس الجمل أو تكرار الفكرة بشكل أو بآخر
زي في قصيدة الإقامة علي الأرض لحسب الشيخ جعفر

أبو الليل بيتفزلك ؟ ممم لا ،..أعتقد انه وضح فكرة عنده كان عايز يوصلها .. و إلا انا كمان أكون بتفزلك ف البوست ده :)

خالد جرار : أفحمتني بكلامك الصراحة ، مش عارفة أقول إيه إلا شكرا ليك يا خالد :)