Thursday, May 08, 2008





في ليالي أرقي (الكثيرة نسبيا)، أتقلب فيها على السرير آملاً أن أجد وضعاً مريحاً للنوم دون جدوى، أنام على جانبي فأشعر بكتفي يلتوي، أنام موجهاً وجهي للسقف فيوجعني ظهري، أنام على بطني فأحتار أين أضع ذراعي، حتى أنني أحاول التذكر في أي وضع كنت أنام من قبل

تحتشد الأفكار في رأسي في خمول و سكون، ككرات بولينج فاشلة ثقيلة... بطيئة، تتخبط ببعضها و تطفو ذكرياتي السيئة - و لا أدري لماذا السيئة فقط- حتى أسمع من الخارج الأدعيات و الموشحات من المساجد المجاورة تعلن اقتراب آذان الفجر، ساعتها أبدأ أنا أيضاً موشحاتي الخاصة مع الله، و من جلساتي الروحانية (؟) التي جاءت بفضل الأرق، استجمعت قناعاتي الخاصة و معتقداتي عن (الله)، رغم أنني إلى الآن لا أستطيع الجزم بوجوده، و لكن أن أؤمن بوجوده فهذا مريح، أشعر بذبذبات هدهده من كل النواحي، شيء يتخلل الجو، و لقد فكرت، ما الضير حتى لو كان هذا من نسج الخيال؟ طالما أن هذه الهدهدات تريحني، كما أن (الله)، يسمع كل هذا، و يفهم كل شيء، و لا يتكلم أو يرد على سوى عبر الأثير، برقة، بهدوء

نعم، لقد سئمت الكلام، حتى الحكيم منه صار لا يفيد

أعلم أنني حمقاء، لو سمعت نصيحة و علمت أنني مخطئة، فسأفضل خطيئتي الخاصة، لأنها تنتمي إلىّ، و سأتقبل ساعتها النتيجة بصدر رحب، إذاً ما أحتاجه ليس الحكيم العالم ببواطن الأمور و أسرارها، فقط الهدوء، الرأفة، التفهم، الرحمة ... و هكذا أسبح في مناجاة أشبه بالهمس، و أظل أقول هلاوس ما بين النوم و اليقظة على غرار: يالله، لقد هرب زبائنك، مخلوقاتك في هذه الأرض التعسة، أراهن أن من تمنوا لو لم يولدوا أبداً قد يبلغون ثلاثة أرباع ما خلقتهم من أبناء آدم، و لم يوجد كل هذا الألم إذن ؟ لكي نتعلم؟ نزداد حكمة ؟ و إذا ازددنا حكمة، ماذا نفعل بكل هذه الحكم و الدروس المستفادة؟ أنعلمها لذرياتنا على سبيل المثال ؟ أنت تعلم يا الله أن المأساة تتكرر، و أن لا أحد يتجنب أخطاء السابقين، إذاً، لم كل هذا؟ لماذا يا الله؟

ساعتها أفكر أن هذه الأرض أشبه بكافتريا في دولة اشتراكية راديكالية، كافتريا رتيبة و مملة، لا لون لها و لا شكل معين، و لا يوجد سواها أو سوى أشباهها في هذا البلد، و الناس مجبرون على الجلوس عليها، حتى لو لم يردوا ذلك، لماذا؟ لأنهم يجب عليهم أن يستمتعوا بوقتهم في هذه الكافتريا، بل و أن يشكروا نعمة الدولة التي أتعمت عليهم هذه النعمة و هذا الشرف العظيم، ثم يُطردون منها حين عدم الحاجة، لأن هناك أناس آخرون قد أتوا، و حان وقت استبدالهم بالجديد
مجبورون أن يدخلونها، ومجبورون أن يخرجوا منها




فكرت إذا كنت أكره العالم، و أكره الله، و لكني لا أكره العالم و لا أكره الله، حتى و أنا أسأل عن لماذا كل هذا، فذلك ليس باستنكار، هو مجرد تعجب من لا منطقية و عبثية ما تبدو بها الأشياء، و بما أنني أحتاج إلى وجود الله بجانبي، لأنني بدونه سأظل معلقة وحدي و أجن حتماً، فهو يؤنسني أحيانا، كما أنه يهمس برقة دون إسداء نصائح لا طائل لها

الإنسان عموما، منذ القدم، كان في حاجة إلى وجود إله أو قوة عليا أثيرية، أو شيء من هذا القبيل، طالما كان يثير حنقي تلك النزعة الزجاجية الضعيفة، كيان الإنسان كله من الممكن أن يكون مهدداً لمجرد الإحساس بالوحدة، أو الخوف، أو اللاانتماء، كما في حالات السكيزوفرينيا حينما يتخيل فيها الشخص إنساناً يتحدث إليه طوال الوقت، و يؤمن إيمانا تاماً بوجوده، فقط كان يريد أن يسمع له أحد، حتى و لو كان من نسج الخيال

لذلك أعتبر الإيمان بعدم وجود أي شيء شجاعة و قوة لا حدود لها

أخيرا أتى النعاس ..... تصبحون على خير

.....................

Niko Pirosmani.(Feast in a Gazebo) & (Woman with a Mug of Beer). Oil on oilcloth