يوميات رجل حالم7
أثناء طريق سفري في القطار ... أحاول ألا أنام ، كي أتجنب الحلم ، فهذه الأيام كثرت كوابيس أفيق منها باكياً بلا دموع، و قد صارت تلك الكوابيس ذات موضوع واحد و لكن بطرق تناول مختلفة ـ كنوع من تجنب الملل ـ والموضوع الوحيد المتناول هو العجز .. العجز بكل أشكاله و أنواعه و أحجامه ، العجز الذي يجعلني أصرخ في استهجان أصدم رأسي في أقرب حائط أو أقرب أرض أجده في المكان .. أصبح طفوليا إلي حد ما، هو كابوس واقعي ...تفضح مخاوفي التي أحاول أن أخفيها دائماً وسط طيات أحداثي اليومية .. و برغم أنني أكره تلك الكوابيس و أخافها .. إلا أنني أجدها مضحكة أحياناً
فالأحلام نوعا ما .. وسيلة أخري من وسائل التفكير .. و لكنها لاإرادية ، إذا لم أجد وسيلة لتفريغ ما في نفسي فلا مفر لي من أن أحلم مراراً و تكراراً
جلس بجواري رجل عجوز ، لطيف المعشر .. أعطاني كوباً من الشاي المعطر بالقرنفل ، في المقابل ظلّ يتحدث معي عن أشياء كثيرة لا أتذكرها و أرد عليه ردود لم أتذكرها ، أخرجت كتاب أقرأه كي يسكت و لكنه بدأ في مسار آخر للحديث عن هذا الكتاب .. استأذنته كي أنام قليلاً في آخر الأمر
حلمت أنني بداخل قطار..و لكن قطار صغير.. أشبه بعربات السرفيس أو المشروع .. أستطيع أن أري من خلالها ما بالخارج من قضبان بوضوح ، أدركت انها قضبان مرتفعة عن الأرض مسافة بعيدة ... ربما كنت في منطقة جبلية
كان بجانبي رجلاً ممتلئ الجسم محمر الوجه في الخمسينيات من العمر ، أخذ يحدثني عن نفسه و عن الأماكن التي نمر بها طوال الطريق ، ثم تباطئ القطار في سرعته حتي كاد أن يتوقف .. ترجل الرجل السائق فوق قضبان الإتجاه الآخر .. ألقي التحية بصوت عال ودود و غادرني
أغلق باب القطار ، لاحظت أنه كان مفتوحاً طوال الطريق .. تحرك القطار مرة أخري .. ظللت جالساً لا أدري ماذا أفعل .. عاودني الشعور بالعجز .. بدأت السرعة تزداد شيئا فشيئاً ، شعرت بالتوتر ، ثم الهلع حينما وجدت أن القضبان تؤدي إلي منحدر عميق .. قلت بفزع : و لكننا لسنا في ملاهي ، سمعت ضحكة رقيعة لا أدري من أين أتت
أفقت من نومي لأجد نفس القطار البطئ كالموت يهتز يمينا و يساراً ... و رقبتي الملووحة تؤلمني
كان الرجل الذي بجانبي جالساً يأكل التسالي .. رآني و قد استيقظت ، أعطاني بعض اللب و بدأ في التحدث عن كلام كثير .. شعرت أنه رجل ليس بهذا السوء
لا أذكر متي غفوت ، و لكنني كنت في حجرة بيتية ذي سقف عال ، جالسا علي حافة سرير كبير و أمامي امرأتان ، أحدهما شمطاء ذات عوينات سميكة تعقص شعرها إلي الوراء و بجانبها من ناحيتي ابنتها الشابة ، حينما استدرت إلي يميني أدركت ان الحجرة بثلاث حوائط فقط ، حيث أن الضلع الرابع للحجرة يوصل إلي مكان ضيق في شارع مظلم ينيره عمود نور خافت الإضاءة
المرأة الشمطاء .. ثرثارة و ضحوكة ، تحكي عن ابنتها كيف كانت تحبو و هي رضيعة ، و كيف كانت ترضع من ثدييها الضامرتين ، و تحكي عن مواقف كثيرة من طفولتها المفترض أنها مضحكة
كنت أتلقي كل ذلك بابتسامة بلهاء ، ناقلاً بصري بين المرأتين ... كانت جميلة.. الإبنة
نظرت ناحية اليمين حيث المكان الضيق المظلم ، كانت هناك فتاة تجثو علي ركبيتها أمام فتي و تتحسس جسده بفمها
ظللت أنقل بصري بين هذا المنظر و بين المرأتين ، و أتساءل إذا كانا يريان ما أراه ، انتقل مسار الحديث إلي أيهما تدخن بشراهة .... ابتسمت ببلاهة لحماسهما في الحديث
نظرت لي الإبنة بإمعان فجأة ، استدارت إلي الأم .... قامت من مكانها و أمسكت بيدي كي أقوم أنا أيضاً .. قادتني برفق كأنها تقود طفل ضائع إلي ذلك المكان الموجود في شمال الحجرة .. حيث المكان المظلم ، كانت الأرض مبللة تعكس الضوء الخافت ... و الفتيات تغازل الفتيان و الرجال
سرت بي قليلاً ، ثم انحرفنا إلي اليمين ... دخلنا طريق ضيق بجانبه مصطبة عتيقة .. جلسنا عليها ، جاءت إلينا فتاة بمريلة .. وشوشت إليها الإبنة قليلاً ، أومأت الفتاة و غادرت المكان
أحسست بالضغط علي يدي ... أحسست لوهلة أنني فتي تغرر به فتاة ... بدت لي الفكرة سخيفة ، بيد أني وجدت نفسي أسألها في توجس : لماذا أتينا إلي هنا ؟ ، قالت و هي تربت علي يدي الممسكة به بأننا لن نتأخر كثيراً ... تجنبت النظر إليها ، فكرت في الهروب
أفقت من نومي .. تذوقت الحلم فبدا لي طعمه كريهاً .. طلبت شاياً من رجل مار ، أنذرته أن الشاي بدون سكر .. و لكنني وجدته يقلب ثلاث ملاعق من السكر ، قلت له بغضب ناعس : قلت لك بدون سكر .. نظر لي في بلاهة .. ربما أكون قد حلمت أنني أنذره .. أخذتها منه صامتاً
نظرت إلي النافذة ... وجدت الشمس قد بدأت تشرق .. بُهت من هذا المنظر .. فأنا لم أر شروقا منذ زمن بعيد ... ربما لم أره من قبل
ظللت أنظر محاولا ألا أنساه مثل باقي التفاصيل