Saturday, December 19, 2009

أردت أن أسجل قليلا عن ماهية الوحدة، وحدة بني الإنسان تحديدا، مع القليل عن الأيدولوجيات، العلاقات الإنسانية، السطحية منها والعميقة، لن أوسع دائرة كلامي كثيراً كي أكون أكثر تحديدا، لأنها خاطرة جاءت لي وأريد تسجيلها فقط

كنت أتحدث مع صديق عن تطرف الإنسان لفكرة معينة، أو انغماسه فيها، أو الإيمان الصادق، الزهد، الفعل الأخلاقي، إلى آخره
حينما يتحد إنسان مع فكرة ما اتحاد قوي، يؤمن به، وتصير الفكرة جزءاً منه، بل يصير هو جزءا منها، ويكون مستعدا أن يأكل من يحاول التعدي على هذا الجزء النفيس، أو يكون مستعدا أن يضحي ويفنى هو على أن يرى الفكرة تتآكل من حوله

والزاهد المتعبد أو الزاهد المفكر، الذي يقرر أن يزهد عن متع القطيع الإنساني، مثلا العلاقات العاطفية، إحساس الدفء العائلي، الأصدقاء، الخ
اعتقدت لوهلة أنه قد تكون هذه الأشياء أصلها من وحدة الإنسان القاتلة، الذي يظل يبحث ويبحث، كي يملأ فراغ الوحدة الذي تأكله باستمرار
تتفاوت عمق الوحدة عموما من شخص لآخر، فهناك من تقنع وحدته بالاحتياجات المنطقية، من حب أو عمل أو
الناس أو فعل الخير أو فعل الشر الخ
وهناك فصائل أخرى وحدتها لامتناهية في العمق قرارها، مثل الطوفان والعواصف، لا يشبعها شيء، تأكل كل شيء وتصيره هباء وسرابا
هذه الفصائل تبحث دائما عما تشبع هذه الوحدة الطوفانية، التي لا تكفيها احتياجات الانسان المعتادة، تظل تبحث عما هو غير ملموس، عما هو عزيز، لم يلمسه أحد من قبل، عن شيء قد ينتهي أن يكون له هو فقط، وليس لأحد سواه
فرحلة الزاهد الروحاني -مثلا- انتهت إلى العزلة الكاملة لأن كل شيء مما عاشه ورآه فشل في أن تملئ الثغرة التي تنخر بداخله، ربما لم تشبعه السلطة، أو حضن الحبيب....أو ربما لم يجد شيء من هذا، أو اكتشف أن كل شيء ماهو إلا
محض وهم ، أو بنيان ضعيف يخاف تهدمه من أول حركة، فقرر أن يبحث عن شيء آخر يوقف الألم
أو المبدع في الفن/الأدب/العلم، أو أي شيء كان، كل في حيرة ملحة، تلح عليه كي يجد شيء خاص له، تريح ألم هذه الوحدة البشرية
وهناك من يتوحد مع الوحدة، فتصير الوحدة له، يصبح متوحدا وليس وحيدا
وهذا حل موضوعي لطيف !