Thursday, November 15, 2007

يوميات رجل حالم 14


حلمت بفتاة قصيرة بيضاء، طرية الجلد مثل الأطفال، مع كدمات في رجليها، صامتة طوال الوقت، انفعالاتها بداخلها لا تبديها، و لكن فتاها كان يدركها بشكل ما، هى ليست بلامبالية، و لكن كانت فاقدة القدرة على التعبير، مثلاً حينما تعبر عن سعادتها و شغفها بشيء ما، يجد الفتى عينيها و قد جحظتا، و يخرج الكلام بسرعة من شفتيها، و تعوض عن بعض الكلام بإشارات عدة بجسدها، كأن هناك خطب ما، أما في حالات الحزن و الجزع فلا تصدر أي انفعال من أي نوع، ربما يرى الفتى اختلاجة خاطفة بالجانب الأيسر من شفتيها، أو جفنيها، هى رغم كل شيء كان سهل التعامل معها، لأنها لم تكن تفضل الانعزال، فقط لا تستطيع التعبير
كانت تسكن في بيت على حافة جرف يؤدي إلى بحر أزرق قاتم، كانت تخاف دائما من وضعية بيتها، تقول لفتاها أن أية هزة أرضية أو تصدع سيؤدي إلى سقوط البيت
كان فتاها دائما بجانبها، كانت تحبه و هو يحبها، و لكن بما أنها فاقدة القدرة على التعبير فكانت لا تستطيع أن تبدي حبها له بطريقة واضحة، و لكنه فهم بشكل ما أنها تحبه، و هي كانت تدرك أنه يحبها، فاتفقا على أن يظلا معاً، و كان من الجلي أنه يخجل من التعبير عن عواطفه، بأن يقول أحبك، أو أن يحضنها، أو أن يقبلها، رغم أنها كانت لا تمانع أية بادرة منه، فأصبح هو أيضاً دائم الصمت مثلها
كانت للفتاة عائلة ... و لكن لم يظهر أحد من العائلة أبداً في الحلم، و حينما تكون في البيت تنظر دائما من الشرفة المطلة على البحر، و يكون بجانبها الفتى ينظر هو أيضاً إلى البحر، الفتي كان يتحدث عن كارئة ما ستقع في هذا البلد ، سيأتي من يعتدي عليها قريباً، و أنه سيجئ من ناحية البحر و أنهما لن يسلما منه سوى بالهروب، وقال أيضاً أن لا أحد يعلم بذلك، أو أنهم يعلمون و يتظاهرون بأنهم لا يعلمون، اتفقا على الهروب معاً



و في موقف تالي، بينما كانا واقفين في شرفة بيتها، جاءت طائرات وسفن تطلق صواريخ و قنابل في كل الإتجاهات، و رأوا بيوتاً من بعيد على طول حافة الجرف تنهار، كانت الفتاة تتابع ذلك في صمت، نظرت إلى الفتى كأنها تسأله عما سيفعلانه الآن، قال لها بأنه لا مهرب سوى البحر، وأنهما سوف يقفزان الآن و يسبحان حتى يصلا إلى شاطئ مواجه آخر، بعيداً عن هذا المكان، قفز الفتى من البلكونة، و ارتطم بسطح الماء محدثاً دوياً عاليا، كانا في الدورالثالث من العمارة، والجرف لم يكن عالي الارتفاع، ظهر رأس الفتي على سطح الماء أخيراً و أشار للفتاة كي تقفز، فقامت بتسلق سور الرشفة و قفزت، شعرت أنها تسقط، لم تشعر بهذا الشعور من قبل، كأنها تنسحب أو شيء ما يسحبها، أحست بالفزع و النعاس في نفس الوقت، تساءلت متى ستصل لسطح الماء، وصلت أخيراً و غاصت بداخل الماء، كانت قد شعرت بالنعاس بالفعل، فاستغرقت وقتا حتى تستعيد أوصالها الحركة، حتى غاص الفتى وراءها كي يساعدها على الطفو، ظلت تلهث محاولة أن تبعد وجهها عن الماء طالبة للهواء، ثم بعد فترة أشار لها الفتى كي يبدأوا السباحة نحو الشاطئ الآخر
ظلوا يسبحوا فترة طويلة و يستريحوا بين الحين و الآخر حتى وصلوا إلى الشاطيء المواجه، كان الشاطئ مليئا بالكثير من القمامات في كل صوب، و يبدو من المنظر أنهم قاموا بتوزيعها في أجزاء متفرقة حتى لا تتراكم ككتلة واحدة، أو ربما هى أمواج البحر و اتجاهات الريح قد رتبتها على ذلك النحو، و كانت هناك مصانع قريبة من الشاطئ، لأن المياه كانت لونها رصاصية، و في أجزاء أخرى بنية، كانا ينظران إلى عواميد من الدخان تنتشر في الأفق، نظر الفتى إلى الفتاة كي يطمئن عليها، نظرت إليه بعينين متفتحتين واضحتين، كانت في أحسن حال
سارا نحو الشاطئ ببطء، المكان صامت و خالي من البشر، كانت هناك بيوتاً بدائية منخفضة، اتجها إلى شارع جانبي ضيق أشبه بالشوارع الأثرية، البيوت قديمة تحيطها أشجار سميكة و ضخمة تتشابك لتصنع سقفاً يتخلله أشعة الشمس، تباطأت الفتاة كي ترى البيوت بإمعان، وقف الفتى ينتظرها، لاحظ أن شيء ما قد تغير قليلاً في وجهها، كانت عيناها تلمعان و مبتسمتان، جفل لحظة لابتسامتها، أشارت إلى سور بيت مفتوح، و قالت له أن المكان خلاب من الداخل، وجدت رجلين أجنبيين شقر الملامح، كان المكان اثريا، رأت سلما لولبيا متخذاً جذع الشجر عموداً له، كانت هناك لافتة ملتصقة على جذع الشجر، كتب عليها أن هذا البيت ملك للأشوريين، رجعت إلى الفتى الذي كان منتظراً عند مدخل البيت الخشبي، حكت له ما رأته، زم شفتيه قليلاً علامة الفهم أو الاستغراب، ثم مضيا في الطريق
واضح بعد ذلك أن فترة من الوقت قد مر بهما ... بضعة أسابيع، أو شهور ربما....وجدوا لأنفسهم كهفاً حجريا يطل على البحر، خاليا من الساكنين ، و المنطقة بأكملها كانت خالية من البشر سوى بعض السائحين أو السابحين على الشاطئ، كانا يتغذان على السمك حيث الفتى يذهب إلى الصيد و الفتاة تعد عدة الشواء، كان هناك تحسن واضح في تعابير وجهها، صارت تستطيع أن تبتسم، و أن تتساءل.. و أن تضحك و أن تتضايق، و بالرغم من أن الفتى لم يعتد على هذا الأمر كثيراً، إلا أنه كان سعيداً بهذا التحسن، بيد أنه لا يدري إذا كان هذا تحسناً أم لا ...هى مازالت صامتة لا تتكلم تقريباً، كانت تحب أن تتمشى في الشارع الضيق الذي سارت فيه هى و الفتى لأول مرة منذ وصلا إلى هذا الساحل، و تلح على الفتى كثيراُ كي يذهب معها، قد وجد الفتى عملاً يشتغل به في هذا المكان، صار يلبس القميص الأبيض و الكارافات، وصارت هى تشرد كثيراً، كان يعلم أنها تتساءل عن مصير بيتها
مرت سنون كثيرة و هما في هذا المكان، لأن السنين كانت بادية على وجه الفتاة و هى واقفة على نفس الشاطئ الذي وصلت إليه هى و الفتى، أدركت في الحلم أنها انفصلت عن الفتى و انفصل عنها، صار يعيش في مكان آخر، و صارت هى تعيش مع شخص آخر، كانت واقفة على الرمل و أمامها القمامات مرتبة على أكوام متفرقة كعادتها، الجو كان بارداً و ملبداً بالغيوم، و هى تنظر في صمت إلى لاشيء، تظن أنها قد وصلت إلى بيتها، و أنه مازال واقفا على حافة الجرف، آملة أن أهل بيتها قد يكونون قلقين على غيابها، ابتسمت، لاحظت اختلاجة خاطفة في عينيها اليسرى، بدأت ترقص، لم ترقص من قبل، أخذت تحرك يديها و رجليها، تحاول أن تحنى بطنها و وسطيها، لم تشعر بالعجز الذي شعرت به من قبل، شهرت أنها تغلبت على عدم قدرتها على التعبير، رأت فتاة أسيوية و رجلا زنجيا ينظران إليها، ابتسمت لهما لاهثة، بعد برهة كانا يرقصان معها، صاروا فوق سطح الماء يركلون القمامة و يرقصون رقصات مضحكة، سقطت على سطح الماء، ظلت في وضعها و المرأة الأسيوية و الرجل الزنجي مازالا يرقصان، كانت القمامة تأتي على وجهها مع الأمواج، حاولت تفاديها و لكنها لم تستطع، و هى لا تريد أن تقوم، صرخت في استهجان في آخر الأمر، قامت و رقصت مرة أخرى، و قد زاد عدد الراقصين، انتهى الرقص و ذهبت إلى بيتها التي تسكنه مع رجلها الجديد، كان بيتاً صغيراً من البيوت الموجودة على الشاطئ و التي تحب تصميمها
كان الفتى -الذي صار رجلاً-يرتاد مقهى معينا في المنطقة كل يوم، قد صار زبونا فيها منذ زمن بعيد، كان قد خف شعره، و ارتدى العوينات، يتكلم بصوت عال و يبالغ في انفعالاته، كأنه يطمئن نفسه بذلك أنه حي يرزق، خرج من المقهى سكراناً، متجها إلى بيت الفتاة و الذي قد زارها فيه قبل ذلك مرة واحدة، الوقت كان متأخراً، لأن الفتاة اضطربت لدى رؤيته حينما فتحت له الباب، أمسكها من كتفيها و أخذ يهزها بعنف قائلا بأنه سمع أنها ليست على ما يرام، و أن بها وعكة ما، و لذلك قد جاء للاطمئنان عليها، نظرت إليه في دهشة ممزوجة بالقلق عليه، نظرت إلى رجلها الجديد و الذي قد خرج لكي يرى ما الخطب، كان يشبه الفتى حينما كان شاباً .... أو كان هو الفتى
.........................

صاحبة اللوحة
آاااني


Thursday, November 08, 2007



قرأت يوما أن الجنس في القبائل البدائية كان في حالة منحلة(حسب الأعراف الأخلاقية الحالية)، فلا يرتبط بزواج أو اتفاق معين، و بالتالي فهم لم يربطوا أبدا بين الجنس و الإنجاب، و مازالت بعض القبائل الأفريقية البدائية لا تربط بين الجنس و الإنجاب

و أحتار، ترى هل هذه حماقة مثيرة للشفقة أم نعمة من عند الله، فأنا - على الأقل - أفتقد بشدة فكرة الفطرة، أو العودة إلى الطبيعة، ربما مشاعر الحنين إلى الماضي الغامض يكون سبب من أسباب هذا الشعور، مجرد أنني لا أعلم شيئاً عنه، لم أعش معاناته، و لذلك فأنا أشتاق إليه و أتمنى العودة، و كأنني كنت فيه من قبل ... تلك العواطف الغير منطقية

بالطبع نوستالجيتي الحارة تجاه الماضي ليس سببه الحرية الجنسية فقط، عدم وجود القوانين، و التي أحيانا يخيل لي أنها صنعت للقهر و ليس للحماية، لماذا من يريد شيئا لا يأخدها عنوة دون قانون؟، و من يريد سلبها منه يدافع عنها إلى آخر رمق، و حينها سيدافع عن شيء يستحق، لن يدافع عن وهم ما، أو عن أناس غير مكترثين، أو عن أجيال غامضة ستأتي في المستقبل البعيد .. الى آخر هذه الفانطاظيات

و أعتقد لم تتكون في تلك الفترة الكلاكيع الاجتماعية المعروفة الآن، و التي أعتبرها أيضا من الفانطاظيات و لكنها تتميز بأنها سخيفة و تقتل الخيال ( عكس ما تتميز بها الفانطاظيات عموما)، فلا أب لي غالبا في هذه الحالة، لا أخوة لا أخوات لا أقارب (بما أن النسب مجهول) ماعدا الأم، ربما كانت هذه نقطة قوة للنساء فيما مضى و لكنها الآن صارت نقطة ضعف

و من ضمن المزايا الأخرى للعودة إلى الماضي البعيد أنني سأصير حافية، هذه من أمنياتي الصغيرة، أن أمشي حافية على الأرض، و لكن لو مشيت حالياً حافية غالبا سأدوس على أسفلت أو حشيش صناعي أو أي شيء غامض آخر لا يمت للأرض بصلة

كما أن الهواء بالطبع سيكون له رائحة محتلفة و لون مختلف، و بالتالي ستكون النجوم فادحة الوضوح ليلاً، أنام على الأرض و يكون السماء سقفي، أبحث عن قوت يومي بكل جسدي، لن أملك عندئذ ترف البحث عن جدوى لحياتي المملة و التي أحاول كل يوم ملئها بألف سبب و ألف لون للعيش

ببساطة شديدة، لو عدت إلى الماضي سأكون إنسانا طبيعيا، أما الآن فأستطيع الجزم بأنني نسخة مشوهة من أبناء آدم الكثيرين، الذين أرهقهم الهوء المائع، الشمس التي تغيب باستمرار وسط المباني المتربة القذرة، الأشجار الهزيلة المدهونة بدهن أبيض قبيح، كل شيء، لا أجد له تعبير سوى (طلوع الروح)، لا أجد شيئا طبيعيا سوى بطلوع الروح، مؤخرا كففت البحث عن بني آدم طبيعي

و هكذا، أغنية (الأيام فوق البنفسجية) تهيج فيّ هذه المشاعر النوستالجية النبيلة، مكفكفة دموعي ( الغير طبيعية لأنها إفرازات ناتجة من ماء ملوث و سوائل غير طبيعية) أشتاق إلى أناس كانوا يريدون بصدق، يأكلون و يشربون بصدق، يمارسون الجنس بصدق، يحاربون بصدق، يُقتلون أو يموتون بصدق .... طبعا هذه فانطاظيات، لأنني لم أر شيئا كهذا من قبل كي أشتاق إليه، و لكنها تلك النوستالجيا اللحيمة

Baby I'm runnin away, while the sun still burns

Whisky don't sting anymore, so I'm drivin

And now the air don't taste the same, in these ultraviolet days

The whisky don't sting anymore,

It's like I've been screwed to the floor for such a long time

Now somethin's bangin the door and I'm gone

And now the air don't taste the same, in these ultraviolet days
صاحب اللوحة
Chaim Soutine - Céret Landscape_ Paysage de Céret. c. 1919. Oil on canvas