Friday, December 07, 2007

يوميات رجل حالم 15




كانت لي صديقة أعرفها منذ زمن لا بأس به، نتقابل من حين لآخر، نتحدث كثيراً، معظم الكلام شكوى أو هروب من الملل، اتفقنا ذات مرة أن الجنس لن يغير شيئا من علاقتنا، و أننا سنظل أصدقاء، هى ظلت خائفة فترة أن أنظر إليها كساقطة أو شيئا من هذا القبيل، و لكني قلت لها أنني أعرفها عن قرب منذ زمن بعيد، و فكرة أنها تتحول في نظري كساقطة فهذا شيء صعب، قالت أن هذا ضرب من الازدواجية، و لكنها لم تفسر كيف
كنت أحكي لها عن أحلامي كثيراً، شجعتني على كتابتها لأنها أشبه بالقصص، تحسدني لأني أرى أحلامي بوضوح، قلت لها أن الوضوح أو عدم الوضوح ماهو إلا توازن الوعي، فكلما كان الواقع مشوشاً كلما كانت الأحلام واضحة، و العكس صحيح، بدليل - قلت لها - أن الأيام التي أكون مشغولا فيها في الواقع لا أحلم أحلاما واضحة، بل تصير مجرد عملية احتلام للعفل، و حينما أصاب بتبلد طبيعي من السأم المستمر تصير أحلامي واضحة كشاشة السينما.... تسخر هى من نظرياتي الهلامية
حكت لي ذات مرة حلمين من أحلامها، تقول أنها مازالت تتذكرهما بوضوح
قالت لي أنها في أول حلم كانت جالسة بمكان واسع قذر ضوءه أصفر، أشبه بجراج، يجلس حولها أناس قذرين مثل المكان، أشبه بعصابات المناطق الشعبية، و هى قد جاءت مرافقة لـ( باسم سمرة) الممثل، كان مصاباً بإعياء غامض لم تدر ماهو، و لكنه كان معجبا بها، ثم بدأ يلحس وجهها و شفتيهها أمام الجميع، كانت هى في حالة ذهول خفيف مع شعور طفيف باللذة و التقزز معا، و كانوا جميع من في المكان ينظرون إليها و شفاههم مفتوحة نصف فتحة بلهاء، ثم بعد ذلك سقط (باسم) مغشيا عليه، فقام أصدقائه بالتقاطه قبل سقوطه على الأرض، و قال لها و هو محمول : تعال معي، فذهبت معهم إلى الطابق الأعلى صاعدين سلالم قذرة _ أيضاً_و قبل أن تدخل الحجرة اعترضها رجل من أصدقاء (باسم) قائلا لها بغلظة أنها : (مش داخلة)، ردت بحدة أنه هو قد طلب منها أن تكون معه، قال أنه لا يعنيه هذا الكلام و : (مع السلامة ياختي)، هنا_تقول_بدأت تخمن أنهم ينظرون إليها كفتاة ساقطة، و تيقنت من ذلك حينما عادت إلى الطابق الأرضي و رأتهم يلمزون و يهمسون ناظرين إليها بطرف أعينهم و بكامل أعنيهم من رأسها حتى أخمص قدميها، و استطاعت التقاط كلمة (شرموطة)، و كانوا يلاحقونها و هى خارجة من المكان دون أن تلاحظ، كانت تعرفهم جميعاً، فمنهم أناس من الجيران، من الكلية ... من كل مكان، حتى تقول أنها رأت بائعة اللبن التي تجىء كل جمعة بيتها، تقول أنها وقتها شعرت بخزي قاتل يغمرها رغماً عنها، بالرغم من أنها مقتنعة تمام الاقتناع أنها لم تكن مخطئة، و لكنها قوة سلطة الأغلبية اللعينة و نظراتهم الحارقة تلك
ثم انتشر الخبر في سرعة البرق بالمدينة، خبر أن صديقتي (م) شرموطة، و بدأت النسوان في الشوارع يصحن و يشحن بأيديهن يرثين ماجري لبنات هذه الأيام و بعضهن كان يرمين حلل و ملاعق عليها، و الأطفال كانوا يجرون ضاحكين يرمون تراب و حجارة ناحيتها، ثم هى قررت الطيران في السماء كي لا يستطيعون الوصول إليها، و كانت في كل مرة تحاول النزول تداهمها واحدة من هؤلاء النسوة تحاول أن تلقي عليها شيئا ما، حتى وصلت إلى بيت من البيوت القديمة ذوي السقوف العالية و الزخرفات العتيقة، دخلت من الشرفة دون استئذان، رأت رجلاً عجوزا يعد العشاء، حينما رآها أدركت أنه يعرفها، فهى قد وصلت شهرتها إلى الآفاق، كان أبيض البشرة ذات عينين رماديتين لا يعبران عن شيء ما، شد كرسياً لمائدة عتيقة و قال لها قبل أن يجلس :( تتعشي ؟)، هنا_تقول_شعرت براحة مصحوبة بألم نابض، الألم حينما تستريح بعد طوال عناء، حينما يصير الألم جزءاً منك و قد اعتدت عليه و يختفي فجأة لتدرك أنه كان قابلا للإزالة، غمرها شعور بالامتنان لاحد له للعجوز، و جلست بالمائدة و لكن بعيداً عنه
ختمت الحلم بقولة : (كسم العقل الباطن)، و فسرت ذلك بأن لديها يقين خفي أن هذا هو شعورها تجاه نفسها، لأنها تضطر دائما أن تفعل كل شيء تريده في الخفاء دون أن تخبر أحداً، و من فعل أي شيء (أيييييييي شيء على حد قولها) في الخفاء فهو قد ختم بختم الإثم، و لو ساءت الأمور سيتحول الإحساس بالإثم إلى الخزي بدون وعي من صاحبه، حتى لو كان مقتنعا ألف مرة أنه لا يفعل أي شيء يخجل منه، ستبقي لديه ترسبات لرغبة خفية في الإنتقام ... الإنتقام من نفسه لأنه جبان، و الإنتقام من الآخرين لأنهم دفعوه لذلك
لم أقتنع كثيراً، قلت لها ربما هذا الشعور هو حساسية زائدة أو مازوخية، ردت بأنني لن أفهمها أبداً، لأن وضعها الاجتماعي كأنثي يختلف كثيراً عني كذكر
سألتها أن تكمل الحلم الثاني قبل أن تحدثني _للمرة الألف_عن الجحود الكوني تجاه الأنثى
اللوحة
Salvador Dali. The Simoniacs (illustration for the Divine Comedy) 1951.Watercolor on paper.



Thursday, November 15, 2007

يوميات رجل حالم 14


حلمت بفتاة قصيرة بيضاء، طرية الجلد مثل الأطفال، مع كدمات في رجليها، صامتة طوال الوقت، انفعالاتها بداخلها لا تبديها، و لكن فتاها كان يدركها بشكل ما، هى ليست بلامبالية، و لكن كانت فاقدة القدرة على التعبير، مثلاً حينما تعبر عن سعادتها و شغفها بشيء ما، يجد الفتى عينيها و قد جحظتا، و يخرج الكلام بسرعة من شفتيها، و تعوض عن بعض الكلام بإشارات عدة بجسدها، كأن هناك خطب ما، أما في حالات الحزن و الجزع فلا تصدر أي انفعال من أي نوع، ربما يرى الفتى اختلاجة خاطفة بالجانب الأيسر من شفتيها، أو جفنيها، هى رغم كل شيء كان سهل التعامل معها، لأنها لم تكن تفضل الانعزال، فقط لا تستطيع التعبير
كانت تسكن في بيت على حافة جرف يؤدي إلى بحر أزرق قاتم، كانت تخاف دائما من وضعية بيتها، تقول لفتاها أن أية هزة أرضية أو تصدع سيؤدي إلى سقوط البيت
كان فتاها دائما بجانبها، كانت تحبه و هو يحبها، و لكن بما أنها فاقدة القدرة على التعبير فكانت لا تستطيع أن تبدي حبها له بطريقة واضحة، و لكنه فهم بشكل ما أنها تحبه، و هي كانت تدرك أنه يحبها، فاتفقا على أن يظلا معاً، و كان من الجلي أنه يخجل من التعبير عن عواطفه، بأن يقول أحبك، أو أن يحضنها، أو أن يقبلها، رغم أنها كانت لا تمانع أية بادرة منه، فأصبح هو أيضاً دائم الصمت مثلها
كانت للفتاة عائلة ... و لكن لم يظهر أحد من العائلة أبداً في الحلم، و حينما تكون في البيت تنظر دائما من الشرفة المطلة على البحر، و يكون بجانبها الفتى ينظر هو أيضاً إلى البحر، الفتي كان يتحدث عن كارئة ما ستقع في هذا البلد ، سيأتي من يعتدي عليها قريباً، و أنه سيجئ من ناحية البحر و أنهما لن يسلما منه سوى بالهروب، وقال أيضاً أن لا أحد يعلم بذلك، أو أنهم يعلمون و يتظاهرون بأنهم لا يعلمون، اتفقا على الهروب معاً



و في موقف تالي، بينما كانا واقفين في شرفة بيتها، جاءت طائرات وسفن تطلق صواريخ و قنابل في كل الإتجاهات، و رأوا بيوتاً من بعيد على طول حافة الجرف تنهار، كانت الفتاة تتابع ذلك في صمت، نظرت إلى الفتى كأنها تسأله عما سيفعلانه الآن، قال لها بأنه لا مهرب سوى البحر، وأنهما سوف يقفزان الآن و يسبحان حتى يصلا إلى شاطئ مواجه آخر، بعيداً عن هذا المكان، قفز الفتى من البلكونة، و ارتطم بسطح الماء محدثاً دوياً عاليا، كانا في الدورالثالث من العمارة، والجرف لم يكن عالي الارتفاع، ظهر رأس الفتي على سطح الماء أخيراً و أشار للفتاة كي تقفز، فقامت بتسلق سور الرشفة و قفزت، شعرت أنها تسقط، لم تشعر بهذا الشعور من قبل، كأنها تنسحب أو شيء ما يسحبها، أحست بالفزع و النعاس في نفس الوقت، تساءلت متى ستصل لسطح الماء، وصلت أخيراً و غاصت بداخل الماء، كانت قد شعرت بالنعاس بالفعل، فاستغرقت وقتا حتى تستعيد أوصالها الحركة، حتى غاص الفتى وراءها كي يساعدها على الطفو، ظلت تلهث محاولة أن تبعد وجهها عن الماء طالبة للهواء، ثم بعد فترة أشار لها الفتى كي يبدأوا السباحة نحو الشاطئ الآخر
ظلوا يسبحوا فترة طويلة و يستريحوا بين الحين و الآخر حتى وصلوا إلى الشاطيء المواجه، كان الشاطئ مليئا بالكثير من القمامات في كل صوب، و يبدو من المنظر أنهم قاموا بتوزيعها في أجزاء متفرقة حتى لا تتراكم ككتلة واحدة، أو ربما هى أمواج البحر و اتجاهات الريح قد رتبتها على ذلك النحو، و كانت هناك مصانع قريبة من الشاطئ، لأن المياه كانت لونها رصاصية، و في أجزاء أخرى بنية، كانا ينظران إلى عواميد من الدخان تنتشر في الأفق، نظر الفتى إلى الفتاة كي يطمئن عليها، نظرت إليه بعينين متفتحتين واضحتين، كانت في أحسن حال
سارا نحو الشاطئ ببطء، المكان صامت و خالي من البشر، كانت هناك بيوتاً بدائية منخفضة، اتجها إلى شارع جانبي ضيق أشبه بالشوارع الأثرية، البيوت قديمة تحيطها أشجار سميكة و ضخمة تتشابك لتصنع سقفاً يتخلله أشعة الشمس، تباطأت الفتاة كي ترى البيوت بإمعان، وقف الفتى ينتظرها، لاحظ أن شيء ما قد تغير قليلاً في وجهها، كانت عيناها تلمعان و مبتسمتان، جفل لحظة لابتسامتها، أشارت إلى سور بيت مفتوح، و قالت له أن المكان خلاب من الداخل، وجدت رجلين أجنبيين شقر الملامح، كان المكان اثريا، رأت سلما لولبيا متخذاً جذع الشجر عموداً له، كانت هناك لافتة ملتصقة على جذع الشجر، كتب عليها أن هذا البيت ملك للأشوريين، رجعت إلى الفتى الذي كان منتظراً عند مدخل البيت الخشبي، حكت له ما رأته، زم شفتيه قليلاً علامة الفهم أو الاستغراب، ثم مضيا في الطريق
واضح بعد ذلك أن فترة من الوقت قد مر بهما ... بضعة أسابيع، أو شهور ربما....وجدوا لأنفسهم كهفاً حجريا يطل على البحر، خاليا من الساكنين ، و المنطقة بأكملها كانت خالية من البشر سوى بعض السائحين أو السابحين على الشاطئ، كانا يتغذان على السمك حيث الفتى يذهب إلى الصيد و الفتاة تعد عدة الشواء، كان هناك تحسن واضح في تعابير وجهها، صارت تستطيع أن تبتسم، و أن تتساءل.. و أن تضحك و أن تتضايق، و بالرغم من أن الفتى لم يعتد على هذا الأمر كثيراً، إلا أنه كان سعيداً بهذا التحسن، بيد أنه لا يدري إذا كان هذا تحسناً أم لا ...هى مازالت صامتة لا تتكلم تقريباً، كانت تحب أن تتمشى في الشارع الضيق الذي سارت فيه هى و الفتى لأول مرة منذ وصلا إلى هذا الساحل، و تلح على الفتى كثيراُ كي يذهب معها، قد وجد الفتى عملاً يشتغل به في هذا المكان، صار يلبس القميص الأبيض و الكارافات، وصارت هى تشرد كثيراً، كان يعلم أنها تتساءل عن مصير بيتها
مرت سنون كثيرة و هما في هذا المكان، لأن السنين كانت بادية على وجه الفتاة و هى واقفة على نفس الشاطئ الذي وصلت إليه هى و الفتى، أدركت في الحلم أنها انفصلت عن الفتى و انفصل عنها، صار يعيش في مكان آخر، و صارت هى تعيش مع شخص آخر، كانت واقفة على الرمل و أمامها القمامات مرتبة على أكوام متفرقة كعادتها، الجو كان بارداً و ملبداً بالغيوم، و هى تنظر في صمت إلى لاشيء، تظن أنها قد وصلت إلى بيتها، و أنه مازال واقفا على حافة الجرف، آملة أن أهل بيتها قد يكونون قلقين على غيابها، ابتسمت، لاحظت اختلاجة خاطفة في عينيها اليسرى، بدأت ترقص، لم ترقص من قبل، أخذت تحرك يديها و رجليها، تحاول أن تحنى بطنها و وسطيها، لم تشعر بالعجز الذي شعرت به من قبل، شهرت أنها تغلبت على عدم قدرتها على التعبير، رأت فتاة أسيوية و رجلا زنجيا ينظران إليها، ابتسمت لهما لاهثة، بعد برهة كانا يرقصان معها، صاروا فوق سطح الماء يركلون القمامة و يرقصون رقصات مضحكة، سقطت على سطح الماء، ظلت في وضعها و المرأة الأسيوية و الرجل الزنجي مازالا يرقصان، كانت القمامة تأتي على وجهها مع الأمواج، حاولت تفاديها و لكنها لم تستطع، و هى لا تريد أن تقوم، صرخت في استهجان في آخر الأمر، قامت و رقصت مرة أخرى، و قد زاد عدد الراقصين، انتهى الرقص و ذهبت إلى بيتها التي تسكنه مع رجلها الجديد، كان بيتاً صغيراً من البيوت الموجودة على الشاطئ و التي تحب تصميمها
كان الفتى -الذي صار رجلاً-يرتاد مقهى معينا في المنطقة كل يوم، قد صار زبونا فيها منذ زمن بعيد، كان قد خف شعره، و ارتدى العوينات، يتكلم بصوت عال و يبالغ في انفعالاته، كأنه يطمئن نفسه بذلك أنه حي يرزق، خرج من المقهى سكراناً، متجها إلى بيت الفتاة و الذي قد زارها فيه قبل ذلك مرة واحدة، الوقت كان متأخراً، لأن الفتاة اضطربت لدى رؤيته حينما فتحت له الباب، أمسكها من كتفيها و أخذ يهزها بعنف قائلا بأنه سمع أنها ليست على ما يرام، و أن بها وعكة ما، و لذلك قد جاء للاطمئنان عليها، نظرت إليه في دهشة ممزوجة بالقلق عليه، نظرت إلى رجلها الجديد و الذي قد خرج لكي يرى ما الخطب، كان يشبه الفتى حينما كان شاباً .... أو كان هو الفتى
.........................

صاحبة اللوحة
آاااني


Thursday, November 08, 2007



قرأت يوما أن الجنس في القبائل البدائية كان في حالة منحلة(حسب الأعراف الأخلاقية الحالية)، فلا يرتبط بزواج أو اتفاق معين، و بالتالي فهم لم يربطوا أبدا بين الجنس و الإنجاب، و مازالت بعض القبائل الأفريقية البدائية لا تربط بين الجنس و الإنجاب

و أحتار، ترى هل هذه حماقة مثيرة للشفقة أم نعمة من عند الله، فأنا - على الأقل - أفتقد بشدة فكرة الفطرة، أو العودة إلى الطبيعة، ربما مشاعر الحنين إلى الماضي الغامض يكون سبب من أسباب هذا الشعور، مجرد أنني لا أعلم شيئاً عنه، لم أعش معاناته، و لذلك فأنا أشتاق إليه و أتمنى العودة، و كأنني كنت فيه من قبل ... تلك العواطف الغير منطقية

بالطبع نوستالجيتي الحارة تجاه الماضي ليس سببه الحرية الجنسية فقط، عدم وجود القوانين، و التي أحيانا يخيل لي أنها صنعت للقهر و ليس للحماية، لماذا من يريد شيئا لا يأخدها عنوة دون قانون؟، و من يريد سلبها منه يدافع عنها إلى آخر رمق، و حينها سيدافع عن شيء يستحق، لن يدافع عن وهم ما، أو عن أناس غير مكترثين، أو عن أجيال غامضة ستأتي في المستقبل البعيد .. الى آخر هذه الفانطاظيات

و أعتقد لم تتكون في تلك الفترة الكلاكيع الاجتماعية المعروفة الآن، و التي أعتبرها أيضا من الفانطاظيات و لكنها تتميز بأنها سخيفة و تقتل الخيال ( عكس ما تتميز بها الفانطاظيات عموما)، فلا أب لي غالبا في هذه الحالة، لا أخوة لا أخوات لا أقارب (بما أن النسب مجهول) ماعدا الأم، ربما كانت هذه نقطة قوة للنساء فيما مضى و لكنها الآن صارت نقطة ضعف

و من ضمن المزايا الأخرى للعودة إلى الماضي البعيد أنني سأصير حافية، هذه من أمنياتي الصغيرة، أن أمشي حافية على الأرض، و لكن لو مشيت حالياً حافية غالبا سأدوس على أسفلت أو حشيش صناعي أو أي شيء غامض آخر لا يمت للأرض بصلة

كما أن الهواء بالطبع سيكون له رائحة محتلفة و لون مختلف، و بالتالي ستكون النجوم فادحة الوضوح ليلاً، أنام على الأرض و يكون السماء سقفي، أبحث عن قوت يومي بكل جسدي، لن أملك عندئذ ترف البحث عن جدوى لحياتي المملة و التي أحاول كل يوم ملئها بألف سبب و ألف لون للعيش

ببساطة شديدة، لو عدت إلى الماضي سأكون إنسانا طبيعيا، أما الآن فأستطيع الجزم بأنني نسخة مشوهة من أبناء آدم الكثيرين، الذين أرهقهم الهوء المائع، الشمس التي تغيب باستمرار وسط المباني المتربة القذرة، الأشجار الهزيلة المدهونة بدهن أبيض قبيح، كل شيء، لا أجد له تعبير سوى (طلوع الروح)، لا أجد شيئا طبيعيا سوى بطلوع الروح، مؤخرا كففت البحث عن بني آدم طبيعي

و هكذا، أغنية (الأيام فوق البنفسجية) تهيج فيّ هذه المشاعر النوستالجية النبيلة، مكفكفة دموعي ( الغير طبيعية لأنها إفرازات ناتجة من ماء ملوث و سوائل غير طبيعية) أشتاق إلى أناس كانوا يريدون بصدق، يأكلون و يشربون بصدق، يمارسون الجنس بصدق، يحاربون بصدق، يُقتلون أو يموتون بصدق .... طبعا هذه فانطاظيات، لأنني لم أر شيئا كهذا من قبل كي أشتاق إليه، و لكنها تلك النوستالجيا اللحيمة

Baby I'm runnin away, while the sun still burns

Whisky don't sting anymore, so I'm drivin

And now the air don't taste the same, in these ultraviolet days

The whisky don't sting anymore,

It's like I've been screwed to the floor for such a long time

Now somethin's bangin the door and I'm gone

And now the air don't taste the same, in these ultraviolet days
صاحب اللوحة
Chaim Soutine - Céret Landscape_ Paysage de Céret. c. 1919. Oil on canvas






Wednesday, September 12, 2007

يوميات رجل حالم 13


المكان مظلم، إظلام تام مع بعض اللطشات الرمادية و الصفراء هنا و هناك، ظلام مريح لا يخيف المرء و لكن يشعره بقليل من الكسل، و قليل من الصمت، و قليل من الكآبة.
اه .. سامية، أنت هنا إذن، آسف لا أستطيع القول أنني قد اشتقت إليك، و لا أستطيع أيضاً أن أتحامل على نفسي و أحييك، لأنني ـ ببساطة ـ فشلت في محاولاتي لمسامحتك على ما وهبتي لي من حكم جميلة عن لا معنى الحب، أستغرب حينما تمرين على خاطري هذه الأيام، إحساس النفور الذي ينتابني هذا، لأنني كنت أحبك، حقاً كنت أحبك، و لكن يبدو أن الحب فعل أحمق لم يفعل بي شيئاً سوى أنه فتح ذراعي و صدري لتقبل إهانات و حماقات من شخص آخر بابتسامة بلهاء و بألم متلذذ أقرب إلى الماسوخية، أندهش من أن كل هذا اندثر بسهولة في ظرف شهر، شهرين، ثلاثة ؟ أربعة... لا تزيد عن أربعة.
شيء تافه فعلاً، و خادع، و بذلك انضم إلى مقتنيات (الخُدعة) الثمينة خاصتي.
هاأنت تقفين على بعد مترين أو ثلاثة، تبدين مستكينة مثلي في هذا الظلام المريح، و أنا أيضاً واقف، غير مسرور على الإطلاق بلقائك، بل متوجس إلى حد ما.
علمت أنك تكتبين في مدونتي....تقتحمين ما أكتبه، أكاد أرى استمتاعك برد فعلي حينما أرى تدويناتك على مدونتي، تدويناتك التي تبدو أذكى من تدويناتي، نسيت أنني قد أعطيت لك كلمة المرور ذات يوم، بينما أنت لم تعط لي يوماً كلمة مرورك الخاصة...، أهنئك على ذكائك، الآن أنا غاضب و مستاء..... و ليس إلى حد ما
اه، تلك الشجرة المقززة، أعرفها، و أعرف أنك أنت التي زرعتها، و أعلم أنك تحبينها، شجرة صنوبر معلقة بها أرانب ميتة، هل هى مصنوعة أم حقيقية يا سامية ؟ تبدو حقيقية بالنسبة لي،و إلا لماذا هى دامية و متآكلة هكذا ؟.... الآن أنا في حالة حصار محرج.
أشعر بمرارة يا سامية، مرارة حقيقية، الآن أفهم مرارة موظف حكومي أربعيني لا يملك شيئاً و قد ملكته كل شيء، لا يعالج تلك المرارة أي شيء، و قد أصبحت ملطخاً هكذا بدماء الأرانب، يبدو أن جثة ما مازالت فيها بقايا الحياة، تعضني من صدري الأيسر، توجعني و لكنني من شدة التقزز لا أستطيع الحراك، و لا أستطيع أن أمد يدي، لا أرى نفسي و لا أريد أن أراها ... أنت، أيتها الفتاة الطيبة، ماذا ترين ؟ لماذا تنظرين باستغراب ؟ و لماذا أصابك الهلع و أنت تنظرين إلى صدري الأيسر؟ ماذا هنالك ؟ رأس أرنب؟ أم ماذا ؟؟ أرجوك قولي لي.

أفقت من نومي، شاعرا طوال اليوم بألم المعضوض في صدره الأيسر

....................

صاحب اللوحة

Edvard Munch- Blossom of pain -1898

Monday, August 27, 2007

picabia
اللعوب







Sunday, August 19, 2007

يوميات رجل حالم 12



حلمت بأختي تحكي لي عن حالة فريدة ـ على حسب وصفها ـ من الحالات الطبية التي قابلتها، فأختي طبيبة، و أثناء الحكي عن تلك السيدة كنت أراها في صورة بلا ألوان و بلا صوت (كانت مشعثة الشعر أسوده، ضخمة الجسد و لكن لم تكن بدينة، عيناها مجنونتان، أعتقد بشكل ما كانت تعاني من بعض العته أو الخبل)، قالت أن هذه السيدة قد تركها زوجها، كان أصلع الرأس، يرتدي العوينات) هرب منها لأنه كان يراها غير صالحة كزوجة و كأم ( غادر البيت و في يده حقيبة سفر أنيقة صغيرة، مرتديا حلة كاملة أنيقة هي الأخرى)، ثم قالت لي أنها ذات يوم قررت مع نفسها أنها تريد الإنجاب (أتت بصورة زوجها و دخلت البانيو الأبيض العريض في دورة المياه و جلست بداخله، أذاحت ردائها الأسود الفضفاض الطويل و أدخلت الصورة في فرجها) ، بعد تلك الواقعة بأيام معدودة عرفت أنها حملت، بعد تسعة أشهر أنجبت ثلاثة توائم، لم يدر الأطباء إذا كانوا ذكورا أم إناثا، لأنها أكلتهم واحداً بعد الآخر، يقولون أنها فعلت ذلك انتقاماً، أصيبت بعد ذلك بتجمع دموي في سرتها بسبب طريقتها الخاطئة في الولادة، كانت الآلام مبرحة فيما يبدو، جرت صارخة بأعلى صوتها ثلاثة قرى كاملة ( شعرها الأشعث الطويل يتطاير، وجهها متشنج و عيناها جاحظتان، فاتحة فمها بكل ما أوتى لها من قوة و تصرخ دون دموع، كانت ترتدي رداء أسودا و طويلاً)

أنهت أختي القصة، فكرت كم هى امرأة قوية، قوية جداً، ظللت أقول ذلك حتى انتهى الحلم
صاحب اللوحة
Gustave courbet - The origin of the world 1866

Monday, August 06, 2007


إذا توقفت لحظة أو لحظتين و سألت لنفسي أن أقول كلمتين عن النفس البشرية، فلا أجد بالتأكيد سوى القول بحنكة شديدة أنها مثيرة للملل و الضجر و التعب، كأن الكائن منا يحمل معه طن من الأشياء و يجرجر نفسه في الطريق بها، حتى ينسى في الطريق الطويل أنه يحمل معه هذا الطن، ثم يأتي شيء ما ليذكره أنه يحمل هذا الطن يجرجره... ثم ينسى ثانية بعد لهاث طويل كمحاولة للتكيف .... و هكذا
تذكرت هذه الأيام هذا الطن المضجر، تذكرت أنني عبارة عن كتلة من تراكمات الطفولة و الخلفية الأسرية و مناخ البيئة و ثقافة اللغة و الصدمات و الأحقاد و و و، و أعتقدت لفترة أنني قد تخلصت من كل هذا لأجد أنني عبارة عن مرآة لكل ذلك، بالتأكيد لست أنا وحدي كذلك، فتقريبا كل البشر الذين قابلتهم هكذا، و محاولة الانسلاخ من هذه (التراكمات) تبقى كمحاولات مثيرة للإشفاق أو السخرية
لماذا لا يكون هناك أزرار كي أستطيع التحكم في هذا الطن؟، أريد أن أشعر بكذا (أون)، لا أريد أن أتذكر هذا الآن بل لا أريد تذكره مرة أخرى (أوف)، أريد أن أتكلم بطلاقة (أون)، أريد النوم (أون)، لا أريد أن أشعر هكذا فهذا مؤلم (أوف)، أريد سب هذا (أوننن).... هكذا سأكون شيئا سهلا و سلس التحكم.... لن أشعر بالحيرة بعد ذلك من ردود أفعالي و عن لماذا لم أفعل كذا في الوقت كذا، و لماذا فعلت كيت بالذات في الوقت كيت، و بالتالي لن يشعر المرء بما يسمى حرقة النفس أو سكاكين النفس لأنه سيكون هناك زر أوف لكل هذا
و لكن سيرفع الفنانون و الأدباء مرهفي الحس أيديهم اعتراضاً، و ماذا يبقى لنا لنكتب عنه و نعبر عنه إذا لم يكن هناك معاناة و حزن و لوعة و سكاكين و سنج و مناشير
أقول لهم بحنكة أخرى شديدة أن يكتبوا عن دوافع النفس البشرية لاستعمال الأزرار...هوهوهو
اه...يالها من يوتوبيا حالمة

Monday, July 30, 2007





فيلم short bus من أفلام جون كاميرون ميشيل المفضل لدي جدا
فبرغم من الجرعة الجنسية العالية للفيلم، إلا أنها خالية من البذاءة، لأنه لا يجلب الجنس كعنصر للبذاءة و الخلاعة الخ الخ ... مثل ما يعتبره معظم الناس كذلك، فهو يعبر عنه كجزء من حياتنا، عنصر من عناصر حياتنا الأساسية ، ملئ بالكثير من الحواس و العواطف، كما أنه وسيلة و ليست غاية، وسيلة لتستكشف به الإنسان و تستكشف به الحياة في حد ذاتها، و تستكشف به نفسك كذلك





ربما مفيد في حالتنا، حيث يعتبر معظم الناس كأنه مخالف للأخلاق و مرتبط بفكرة (الإثم) أو (الذنب) و لذلك حتى أثناء ممارسته يصبح شكل من أشكال العار يتخلص من آثاره في عجل و غل، و أعتقد أن هذا لم ينشأ سوى في العصر الحديث
استطاع كاميرون أن يتغلب على الشعرة الفاصلة بين الفن و البذاءة في تناوله للجنس..حقا!
بيرة في نادي البلياردو، رواية لوجيه غالي... من أبناء عائلات أغنياء ما قبل الثورة و بعدها
الرواية ممتعة جدا، و جديدة جدا، من الأشياء (الطازة) التي تلتهمها و هي طرية ساخنة، مقارنة بالروايات المصرية الأخرى فهي مختلفة ، تتكلم عن طبقة تعيش في مصر و لكنها لا تعرف شيئا عن مصر
أهم ما في الأمر هي انها ذكرتني بشيء ما مفقود، إحساس بوطنية ما، ارتباط ما بالمكان
الكاتب كان وطنيا، كان يحب مصر، و لكن ذلك الحب اليائس الملئ بخيبات الأمل و العجز و في آخر الأمر لن يخفف من هذا الإحباط سوى التخلي عن ذلك الحب
أحيانا كنت أشعر بمثل هذا الإحساس ناحية هذا البلد، إلا أنني غالبا لا أفعل شيئاً ناحيتها
ماهي الوطنية من الأساس، هى تواصل مع المكان بكل مواصفاته، أكله، مشربه، لغته، أهله ... و أحبها دون رفع شعارات الوطنية و الهتافات الزاعقة، أتشربها دون كلام.... و لكن بخلق لحظات مع سريان الوقت و الزمن
فقط الرواية ذكرتني بإحساس كهذا، الوطنية المثيرة للشجن ربما ؟
و لكنني في الأوقات العادية غالبا لا أحبها، أخطط في المستقبل كيف أغادرها، فالحياة قصيرة... لا تستأهل الكفاح في أرض تلفظك من الأساس!

Monday, May 28, 2007

وجه لشخص آخر


الزوجة: لماذا تضع المرأة المكياج في رأيك؟
الزوج: هممم، كي تخدع الرجل مثلا؟ (ضحكة صفراء)
الزوجة: بتاتاً

من حكايات فترة (الجينجي) أن كان لا يصح للنسوة إظهار وجوههن الحقيقية
لذلك لا ترى من رسوم نساء هذه الفترة سوى شعورهن السوداء.
مثلما هو عند العرب، تجد من نساءهن من يخفين وجوههن حتى الآن
الزوج: إذاً المكياج نوع آخر من الأقنعة.
الزوجة: هو نوع من التذلل.
الزوج: التذلل؟

الزوجة: المرأة كونها امرأة، كأن ذلك يجعلها لا تملك وجهاً تظهره
..............




الطبيب: ليست البيرة هي التي تسكرك
انه القناع الذي ترتديه
الزوج: أنت تلعب بالألفاظ
الطبيب: انظر.. كل من بالحانة يحاول أن يسكر
و لكن مهما حاولوا فلن يملكوا حجة الغياب
لأنهم لن يستطيعوا أن يكونوا شخص آخر
و لكن العكس صحيح في حالتك
لا تستطيع أن تكون أحداً
مهما فعلت فأنت تملك حجج للغياب
.............…








الزوج: أشعر كأنني خنزير غينيا تقوم عليه تجارب يا دكتور
الطبيب: ربما أستطيع صناعة الكثير من الأقنعة البشرية
سهلة التركيب و الخلع
أصنع عالماً خالياً من الآباء و بالتالي خالياً من الأخوة
لا يوجد به من يحبك و بالتالي لن تجد من يعاديك
لا تجد الجريمة لأنه لن تجد المجرم من الأساس
إذا كان هناك عالم حر مثل هذا فبالتالي لن تتمنى الحرية
و لن يكون هناك مكان تهرب منه لأنه لا مكان تلجأ إليه

عالم ينصهر فيه الوحدة و الصداقة و يكونان واحداً
و لذلك لن يكون هناك الحاجة إلى الثقة أو الشك أو الإتهام بين الناس
الزوج: إذا كنت فكرت في أمر القناع إلى هذا الحد، لماذا لم تجربه لنفسك؟

........

الأخت الضغرى : هل ستقبلني ؟
ربما تقوم الحرب غداً
الأخ الأكبر : نعم

...........
الأخت الصغرى : أنا آسفة

من الفيلم الياباني The face of another person 1966






Thursday, May 24, 2007

أتمنى من الرب

إني أبطل أكره بني آدمين شوية

Friday, May 04, 2007

يوميات رجل حالم 11

حلمت هذا اليوم بأن مجموعة من العصابات تقوم بإرهاب منطقتنا في البيت القديم، كان من لا يملك سلاحاً في بيته فهو ضائعاً لا محالة، عمارتنا المقابلة لنا تمتلك أسلحة كثيرة، عم (حسين) سائق التاكسي القاطن بها يراقبهم طوال الوقت من الشرفة ممسكاً سلاحاً ضخما يشبه المدفع، حدث ذات مرة إطلاق نار رهيب في سلالم عمارتهم، انتهت بتقهقر العصابة و بفوز عم حسين و المعلمة (كوكا) التي تقطن في الدور الذي يعلو شقة عم حسين، و التي استطاعت جلب الأسلحة بسهولة في ظرف إسبوع، أردت أن تجلب لنا نحن أيضاً، و لكن أمي باردت برفض التعامل مع (مثل هذه الأشكال) علي حد قولها، حيث أن كوكا تاجرة مخدرات، حاولت إقناعها بأننا في حالة طوارئ، و أننا سنموت في وقت لاحق إن لم يكن الآن إذا لم نملك ما ندافع به عن أنفسنا، و لكنها أصرت، و أبي أيضاً.. قال أننا حتى لو متنا فسوف نموت شهداء، لم أدر كيف الموت فطيساً هكذا سيكون استشهاداً
لم أعرف غرضهم-أقصد العصابة-من الهجوم علي منطقتنا، و لكن كنت أعرف أن صبي ما من المنطقة قد قتل ابن رجل من رجال العصابة هذه و هو يلعب معه في الشارع، و نحن قد رفضنا إعطاءه الولد حتى آخر لحظة، حتى هجموا ذات يوم، و كان يسكن الولد في العمارة المجاورة لنا، قتلوا من فيها جميعاً، و لكن سمعت أنهم لم يقتلوا الولد، أخذوه معهم، تخيلت مرتعداً أنهم سيجعلوا طفلاً يتمنى الموت

ذات مرة و نحن جالسون ظهراً (و كانت جميع الأنوار مطفأة)، طلبت مني أمي أن أجلب لها (البطاطس) من المطبخ كي تقشرها، قمت لكي أجلب لها البطاطس من الشقة الأخرى، سمعت و أنا أحمل كيس البطاطس عائداً أصواتا وراء باب الشقة(و كان لنا بابين للشقة)، نظرت من العدسة السحرية، وجدت مجموعة من البشر يحملون رشاشات و مسدسات، فزعت مما رأيت، خرجت إلى الشرفة، وجدت تكتل من رجال العصابة بالخارج، و الصبي الصغير الذي كان مختفيا واقفاً وسط الحشد يلقي بالتعليمات، نظرت إلى العمارة المقابلة لنا، وجدت المعلمة (كوكا) واقفة في شرفتها تنظر لي و لهم، تدخن سيجارتها الملفوفة في هدوء، و تنفث الدخان في اتجاهي، خرجت من الشرفة، كانوا قد فتحو الباب، كان معهم طفلة تشير إليّ، جريت بأقصى قوتي في الشقة الضيقة كي لا يطلقوا عليّ النار، اتجهت إلى غرفة الجلوس كي أخبرهم بما حدث، كانوا بالفعل قد علموا، لأن أمي كانت تحاول حشر جسدها المشحوم المتكور أسفل الكنبة، نظرت لي و لكنها تجاهلتني و استمرت في محاولة الاختباء، جريت ناحية حجرة أبي، وجدت أبي و أختي قد اختبئوا تحت السرير، حاولت الدخول معهم و لكن أبي لم يتحرك أو يتململ و لم يقل شيئاً، كان من الواضح أنه لا يريد إدخالي، فالمكان يكاد يكفي أبي و أختي، و لكنه لم يقل ذلك..وجدت المكتب فحاولت الإختباء أسفله و لكنه لم يخبئني البتة

وجدت أن مؤخرتي ستبقي ظاهرة للعيان و أنا جاثيا بهذه الطريقة، اضطررت حشر نفسي بقوة لأنه لم يكن لي مفر سوى هذا المكان، ارتعدت لمصيري المنتظر، ندمت لأنني لم أمتلك سلاحاً، أفقت من الحلم

ذكرني الحلم بشيء ما كنت أفكر به منذ أيام، في نسبية العلاقات، أو زيف العلاقات ربما، فليس من المفترض أن يحبني أبي لمجرد أنني إبنه، و ليس من المفترض أن أختي تحبني لمجرد أننا من نفس الدم، و ليس من المفترض أن زوجتي مثلاً (إذا كان لي زوجة) ستحبني لمجرد أنني زوجها، الحب و الاهتمام لا يأتي هكذا، بمنتهي السذاجة، ربما يعيش الجميع معاّ لأن هذا هو الشكل المعروف للعلاقات، أن العائلة تعيش معا، و أن الزوجة تحب زوجها أو العكس، و أن الأبناء يحبون آباءهم، و الآباء يحبون الأبناء و يخافون عليهم، و لكن من الممكن في لحظة ما أن يكتشفوا فداحة الأمر، بأنهم يعيشون معاً من أجل الاحتياج، و حينما لا تتوافر شروط الاحتياج يتخلصون من الآخر سريعاً، مثل الأب الذي يطرد الأبن الضال، أو الأم التي تقتل ابنتها التي فرطت في شرفها (الكسّي)، و في الحلم ... حينما حاولت الاستنجاد بهم لم أجدهم، و لم يكن أمامي سوى نفسي كي أنقذ نفسي، لا ألومهم على أية حال لو حدث ذلك فعلاً، لأنني أنا أيضاً سأفعل ذلك، ...بالتأكيد، سألوذ بنفسي أولا (و آخراً أيضا)، لأن لا أحد يهمني في الحقيقة سوى نفسي

ترى لو قلت لفتاة ما أنني أحبها، و هي أيضا قالت أنها تحبني، ما يدريني أنني أحبها فعلا أو أنها هي تحبني فعلا؟، ربما هي قررت أن تكون معي لاحتياجها إلى رجل ما، لشعورها بالوحدة، لحاجتها إلى الحماية، و إذا كانت تخاف علي و تحاول حمايتي فهذا من منطلق أنها تحتاج إلىّ لا لأنها تحبني، أو ربما هي تشعر بأهميتها في أنها تعطي و تضحي و تهتم ... و أنا الأحمق السعيد، و غالبا ستكون دوافعي مثل دوافعها، لأنني أريد فتاة ما تهتم بي، تحتويني، تسمع لي و تؤمن بي ...إلى آخر هذا الهراء، و لكننا سنتقابل، و نتحدث و نضحك و نطارح الفراش من منطلق الحب، و ليس الاحتياج الذاتي، حتى يظل كل شيء جميلاً ..و مريحا، ...فكرت لبرهة فيما أحتاجه الآن في التو و اللحظة ... أريد حرباً، لا أدري كيف، و لكنني أريده بحرقة

Thursday, April 05, 2007

يوميات رجل حالم10
هذه المرة كان الحلم مزدوجاً نوعاً ما، في بادئ الأمر كان كابوساً، كنت في بيتنا (بيت العائلة)، البيت ملتصق ببيت لأناس آخرين لا أعرفهم، و ملتصقاً هذا يعني التصاق حقيقي، و كأن الحوائط واحدة أو هي كذلك، أي شباك في أي حجرة بالبيت كان يطل علي البيت الآخر، و كان المنظر ليس بالممل حقاً، قصر فخم قديم و عريق، واسع جداً، عرفت ذلك من مجرد خلسة إلى خارج الشباك، مليء بالكثير من الأثاثات الفخمة المليئة بالمنمنمات و المزخرفات على طراز الروكوكو الثقيل، و بما أن القصر قديم فكانت الإضاءة صفراء، فأعطى جواً متلألأ من اللون الأصفر الذهبي، و بما أنني لم أر شيئا كهذا من قبل (فقط في الصور)، كنت أحاول اختلاس النظر دائماً بحذر و بانبهار المستغرب، البيت كان خالياً..دائماً، بالتأكيد قصر واسع كهذا يجب أن يعطي انطباع بالخلاء، شيئا فشيئاً لم يعد يعجبني النظر إلى القصر، بات مخيفاً لي بعض الشيء، و كأنه للمشاهدة و ليس للسكن،... ذات مرة و أنا سائر بالحجرة نظرت إلى القصر من الشباك لوهلة، وجدت شخصاً ملتصقاً بالشباك من الناحية الأخرى ينظر إلى بيتنا، و بالتحديد ينظر لي..كانت سيدة في سن الكهولة، مرتدية السواد، أفزعني وجهها دون سبب، جريت خارج الحجرة، ربما لكي أطمئن نفسي بأنني لست وحدي، أبي و أمي جالسان بالصالة، سألتهم عن سيدة مرتدية السواد تسكن في البيت الملاصق لبيتنا، قالوا أنها جارتنا و يعرفونها، عدت إلى شباك الحجرة، وجدت السيدة تحاول تسلق الشباك، تلهث محاولة حمل جسدها الثقيل المترهل علي ذلك كي تعبر إلى بيتنا، فزعت جداً هذه المرة، قالت لي و هي تبحث عن أرضية تطأ بها علي قدميها لاهثة : (متخافش يابني)، و لكنني خفت، حاولت الجري دون جدوي، أدركت أن هذا كابوس من كوابيس المطاردات، حينما يكون شيء ما يطاردني و أحاول الجري بأقصى قوتي فلا يستجيب لي جسدي، فأظل ثقيلاً معلقاً و فزعاً، أفقت من الكابوس المزعج، أطمئن نفسي أنني في بيت آخر و مكان آخر ثم ارتميت على الوسادة و غفوت ... المشاهد كانت مختلطة، أناس كثيرون، يتلاغطون، يتحركون هنا و هناك، هذا القصر ملك للأستاذ (....)، قد قام بتجنيد جيش خاص به من الشباب الغاضب، هدفهم هو القتل، قتل الشيوخ العجائز و المعاقين و من ليس لهم فائدة من الشباب رجالاً و نساءً، خطر لي أنه بذلك لن يبقي على أحد، ربما لن يبقى سوى الأطفال، الأستاذ (...) كان وسيماًً، في سن الكهولة، لا يبدو عليه الخبل أو الجنون، لا يرغي و لا يزبد، حليق الوجه،و شعره أشيب مشذب... قد قرر صنع يوتوبيا من هذا البلد الخربان، و لأنه قد سئم الإصلاح بالبناء، فقد قرر الإصلاح بالهدم... و ليبدأ بعد ذلك البناء، هكذا يقول بهدوء عاقداً يديه خلف ظهره، قام بالتقصي عن الموهوبين من كل المحافظات، و جلبهم إلى هنا في قصره الفخم الذي كنت أختلس النظرات إليه، كي يبدأوا هم البناء، و لكن قبل ذلك سيكون هناك الكثير من الجهد الشاق لتأسيس المناخ الملائم للعمل .. للبناء، كنت تائهاً، أدركت أنني من الناجين، كانت هناك صفوف طويلة و كثيرة من العجائز المرتعدين، لم أعرف أين ذهبت عائلتي، بدأت الفوضى تعم البلاد، العالم كله تآزر مع الفكرة، صار هناك جنوداً متطوعين من كل مكان، أمريكا، الهند، باكستان، اليابان، أدوار المسنين صارت ثكنات للجنود، أصبح من المألوف أن أرى مذبحة ما و أنا سائر، و أخاف أن يقتلونني، رأيت (إيناس الدغيدي)، كانت من الناجين، تسير أمامي وسط الدخان و الحطام و هي تسب و تلعن، استوقفها جنديان، فيما يبدو كانوا يريدين مضاجعتها، هي كانت متبرمة و لكن تبرم الذي اعتاد علي أمور كهذه منذ زمن، بيد أنهما وجدا فريسة يقتلانها فابتعدوا جرياً و هم يهللون، سمعنا بعد وهلة طلقات تنهمر في كل الاتجاهات، انبطحت على الأرض زاحفاً محاولاً ألا أموت، وصلت إلى الجانب الآخر من الشارع سعيداً بأنني مازلت سليماً و حياً.
اختفت إيناس الدغيدي، لم أحاول البحث عنها، ذهبت إلى بيت ياباني، دخلت من الدور الخامس، وجدت في السلالم تحتي جنوداً أميركان يثقبون رأس رجل في الستينات من عمره، أغمضت عيني .. خمنت أنهم سيسلخون جلد رأسه، فتحت عيني فوجدت أنهم قد قطعوا رقبته فقط، فكرت أن الجنود سيصعدون إلى هذا الدور بعد برهة، دخلت شقة.. وجدت فيها امرأة عجوزاً تشاهد التليفزيون، استغربت للسلام البادي على وجهها، قالت لي أنها تنتظر (تاكيشي) حفيدها، فقد جلبت له مقرمشات يابانية من (كيوتو) التي يحبها، و لكنه لم يأت بعد، أخذت معي ما استطعت من هذه المقرمشات و نزلت من السلم الخارجي محاولاً ألا أخمن مصير هذه العجوز.
وجدت مجموعة من المسلمات المنقبات يسرن و يغنين نشيدا ما، ممسكات بآلات حادة و يلوحن بها، اختبأت حتى ذهب هذا المارش العتيد، مرت سنون فيما يبدو، هدأت الفوضى قليلاً، و لكني كنت أشعر أن الأرض ما زالت تفوح برائحة الدماء، كنت بداخل سيارة صغيرة مفتوحة بها فتايان و ثلاث فتيات، ذاهباً إلى بيتي القديم، وجدنا في وسط الطريق مجموعة من الأطفال منكوشي الشعر يضربون في خروف ضخم، كان ينزف، ترجلت من السيارة وحدي، صحت فيهم أن يبتعدوا و أن يعودوا إلى بيوتهم، سكتوا قليلاً و هم ينظرون لي في شراسة لا تليق بملامحهم الصغيرة الناعمة، بدأ واحد منهم في السخرية مني، أخذ يسخر من بنطلوني الأبيض القذر، و طفلة أخرى سخرت من مؤخرتي الضامرة، قذفتهم بشتائم بذيئة و هددتهم بالركل كي يبتعدوا، تأكدت أنهم قد ابتعدوا، رأيت الخروف يكمل طريقه و هو يئن و قد صارت فروته مشوبة بالحمرة، و عدت أنا إلى السيارة.

Tuesday, February 20, 2007

يوميات رجل حالم 9

حلمت حلماً منذ فترة...لم أكتبه إلي الآن، غالباً لأنني أتذكره بوضوح، و لأنه كان قصيراً و بسيط الملامح... مثل الألوان الابتدائية

كنت سائراً لوحدي، أرتدي قميصاً أبيضاً و بنطلون جينز أزرق، كنت بادي العدائية أرمق الناس يمينا و يسارا، يقول أصحابي أنني ألوي فمي دائماً احتقارا، و لكنني لا احتقر أحداً، و لا ألوي فمي، كانت هناك فتاة من الجيران أراها كثيراً في الصباح، دائما كانت تلوي فمها حينما تنظر لي .. ظننت أنها تحتقرني أو شيئاً من هذا القبيل، و لكني اكتشفت بعد فترة أنها هكذا، أدركت ذلك و أنا أراها تمشي خارجة من الشارع الضيق القذر كل يوم ...تعدل طرحتها و تنظر إلي كل شيء في قرف واضح و متعمد، كأن هذا جدار عازل ما.. كانت منفرة إلي حد كبير، و هكذا كنت في الحلم، منفراً
كنت في الحلم أذهب إلى بار معين، كل يوم.. بابه زجاجي ثقيل أضغط عليه بشدة و لا أعتاده، أجلس علي طاولة يسهل منها مراقبة البشر حولي، لا شيء يميز البار سوي أنه يعج بالأطفال، لا يعمل الطفل منهم كساقي أو نادل، و لكنهم كانوا ندماء للزبائن، من المفترض أنهم أطفال يتميزون بالعبقرية أو الذكاء الحاد، يحوم الواحد منهم في المنطقة حتى يناديه أحدهم، و يتحدث معه عن كل شيء، و لا يحتار في إجابة شيء، رأيت طفل أشقر صغير يتكلم عن فلسفة أرسطو، يعقد حاجبيه ككهل أرهقه الفكر و يتحدث (لبلب)، و كان الجالسون إما مندهشين أو معجبين أو ضاحكين أو ساخرين أو سكرانين غير منتبهين ... فقط يرون شيئاً ظريفاً، لم أحاول مناداة أي طفل منهم في الحلم، كنت أكتفي بأن أشاهد إيماءاتهم و حركاتهم التي لا تمت بصلة للأطفال، و رغم ذلك أجسادهم تفضح عجز الطفولة المسجونين بداخله، كانت هناك طفلة تسترعي انتباهي، صغيرة كالعادة ..شعرها بني طويل، تلبس جورباً طويلاً أبيض اللون و فستان طفولي بني اللون، تبدو هشة مثل غزل البنات، وجهها جامد بلا تعبيرات، ذكرتني بالدراويش الهائمين علي وجوههم، كانت تبدو مثلهم بعينيها المفتوحتين علي وسعيهما، تنظر إلي لا شيء، و لا ترد علي أي أحد من الزبائن و لكن تأتي حسب رغبتها إلي من تريد، تقول له قولاُ مثل النبوءة، جملة أو جملتين، توحي لك بالغموض و الخطورة، وجدتها مسلية للمراقبة
ذهبت اليوم التالي، جالسا في نفس المقعد و بنفس الملابس، وجدت الطفلة إياها تقترب مني و لكن بحذر و تقول لي : (سوف تحصل علي ما تريد، و لكن بصعوبة)، كدت أسألها عما أريد و لكن عدلت عن ذلك، لم تكن تنظر لي في الحقيقة، كأنني زجاج أو كأنها تنظر لشخص ما خلفي، و لكني أومأت لها علي سبيل الشكر
قمت من الحلم بمزاج رائق، قالت أنني سأحصل علي ما أريد، برغم أن رغباتي مشوشة إلي حد ما، سأجلس في مرة أدون ما أريده في الحياة، ربما صلت إلي مرحلة ما من الخوف في أن أريد خشية الفقد، شعرت بالإهانة
تمنيت لو أن هناك بار كهذا، برغم من انه لو كان واقعاً ربما كان سينقلب إلي دعارة للأطفال، و لكني كنت سأجلب طفلاً منهم، أجلسه أمامي، أسأله عن أشياء كثيرة دون إدعاء الفهم... هو سيجيبني علي كل شيء، لأنه ذكي، و لأنه طفل، و لأنني سأصدقه.. فحينئذ أكون سكرانا، لا أخاف أن أسمع من أحد منهم الجواب

Sunday, February 18, 2007

يوميات رجل حالم 8


هذا اليوم حلمت حلماً مذاقه كريه بعض الشيء، لا أدري إذا كان كابوساً أم لا، كنت أقود سيارة أمي الفولكس، ذات لون أرجواني قاتم .. بجانبي أختي (ن)لا تبدي حراكاً ، نتظر عبر زجاج السيارة أمامها، كانت لامبالية بشكل ما، أو مزاجها حسن.. تأكل قطعة حلوي تلعق فيها و تقضمها، و أنا أسير بالعربة ببطء شديد بطء سحلية ضخمة، أنظر إلي الخارج بإمعان

معالم الشارع كانت مألوفة لي، فهو المسار اليومي الذي أمر عليه دائماً في المواصلات، كانت الشوارع خالية من المارة و العربات، خالية من كل شيء، فقط الكثير من جثث الحيوانات، ملقاة هنا و هناك، موزعة علي طول الطريق، و الدماء.. كانت كثيرة، كثيرة جدا يشربها الأسفلت فصار بلون قاتم كريه، فاكسب الأماكن من حولي تلك القتامة، و السماء صامتة و رمادية، مليئة بالسحب .. القاتمة أيضاً، المناخ منذر بكابوس من كوابيس (إل جريكو) السماوية

وجدت العربة تفقد جزءاً من أجزائهاً شيئاً فشيئاً، مثلما يحدث في أفلام الكرتون و الأفلام الصامتة القديمة، تختفي فجأة اختفي السقف أيضاً، ثم وجدت نفسي أقود أرضية عربة نحن جالسون عليها، كان مازال هناك عجلة القيادة ممسكاً بها، و أختي مازالت تأكل و تنظر لي باستغراب لأنني بادي الاضطراب، نظرت ورائي لأكلم أمي الجالسة بالخلف لأخبرها هذه المشكلة الطائرة، كنت أعلم انها لم تكن موجودة من قبل، و لكني وجدتها جالسة عابسة علي أية حال، ردت بصوت عال قاطع: (لو مش عاجبك متسوقش!)،اضطررت إلي السكوت أمام هذا الهجوم، نظرت أمامي أقود محاولاً تجنب دهس جثث الحيوانات المتناثرة طوال الطريق

Saturday, February 17, 2007

Zorba the greek

Zorba: What's the use of all your damn books if they don't tell you that , what the hell do they tell you?
Basil: They tell me about the agony of men who can't answer questions like yours.
Zorba: I SPIT ON THEIR AGONY.

Friday, January 26, 2007

marlene dietrich


جميلة الجميلات ، ووسيمة الوسيمات و الوسيمين