Monday, September 24, 2012

Rhapsody


كان رفيع الجسم، قمحي اللون، ممشوق، مبتسما دائما ابتسامة ماجنة ماكرة، لا يرى الحزن الدفين وراء الابتسامة إلا البصير، يتقصع في مشيته بحكم التربية، كان يحب اللعب، اللعب بكل الأشياء، بالمال، بالعواطف، بأجساد البشر، يمزج روح لعب الطفولة مع قسوة الموت، كان الشارع هو بيته، الذي تربى فيه، يلعب بقوانينه، ويغير عليه من المارة، يظل يفاخر بين أصدقائه وصبيانه كم هو حافظا لهذه الطرقات والشوارع، حتى الأزقات تعرف رائحته، يعرف القطط والكلاب الضالة التي عاشت وتعيش هنا، يعرف كل عاهرة تقف هنا، يعرف كل القصص والمغامرات والحوادث التي مرت بهذا الشارع، هو يثق أن كل شيء سيمر بهذا الشارع سيذهب لحاله، كأنه لم يكن، لن يتذكره أحد، لكن الشارع يملك الحب الكافي لحفظ كل لحظة من هذه اللحظات، بكل تأريخ الحواس التي يعلمها ولا يعلمها
كان محبا لكل من رأت عينه، حتى وإن قال عكس ذلك، كان محبوبا في الشارع، وكان شيء مثل الأب الروحي للمنطقة، رغم أنه شيميل يبيع جسده لقوط عيشه وعيش صبيانه، ولكن لا وقت لأخلاق مجتمعية لأناس الشوارع، هذا فقط لأرباب البيوت والأبواب المغلقة
كان يجمع الصغار من حوله، ويعلمهم كل ما استطاع تعلمه من الحياة، يعلمهم الأكل، النشل، كيف تنظف وتجمل نفسك مثل القطط، العهر والكرامة
يجلس بجونلته القصيرة الضيقة، يفتح فخذيه ساندا على عربة ما بسيجارة بين أصابعه، ينظر بأعيان حادة على المارة، كان يشعر بكل شيء الضعفان، أو بمعنى أصح يحس بكل شيء الضعفان، رائحة الأشياء، أصوات المارة والطرقات، الأضواء المتناثرة هنا وهناك، كان يستمتع بلعبة التركيز هذه، أن يركز في كل شيء يحدث من حوله بكل الحواس، حتى تذوب الحواس بعضها على بعض، وتغيب الحواس كلها إلى اللاشيء
كان يحفظ لحظة اللاشيء هذه، ويخافها بشدة، يخاف من اللاشيء خوف لا حدود لقراره، هو أخوف إليه من الموت، اللاشيء كانت بالنسبة له غياب كل شيء، غياب الذكرى، كيف؟ إذا تحولت للاشيء، ألن يكون لي أي وجود؟ كأني لم أعش؟ كأني لم أتعلم، لم أعان، لم أناضل أبدا للبقاء؟ ألن تتذكرني هذه الطرقات، كأني لم أكن؟؟ أنا أعلم أن البشر أوغاد ذاكرتهم مثل ذاكرة الأسماك، لكن لا لا، أنت سوف تتذكرني، أليس كذلك، حتى لو مت، سيظل رائحة جيفي هنا، تذكرك أنني كنت هنا، I love you
...............
"كنت أشعر بالحنين، أتصدق؟ أشعر بالحنين للمسيح، هه نعم أنا عاهرة العاهرات وملكة الملكات كذلك، bitch، نعم أشعر بهؤلاء النسوة الشامطات مسربلات السواد والصليب على صدورهن، لا ينتمون للمسيح بثيابهم هذه، وخاصة رجالهم الشبيهون بغربان مقالب الزبالة التي أراهم عند الغروب،   لا أحد ينظر له، يهتم له، هو مثلي، من الشارع أيضا، أشعر ذلك، وأشعر أحيانا أنه ينظر لي مبتسما، أنا أحبه أيضا، نعم، أعلم أنه يحبني
لو قلت هذه الأشياء لصبياني سينظرون لي باستغراب حتما، حسنا، لذا لا تقول شيئا لأحد، هذا سر بيني وبينك، أوكي؟"
...................
قرر وشم صليب على رقبته، لم يعلم الغرض لذلك في حقيقة الأمر جديا، هو قال قصص وأساطير كثيرة لصبيانه عن إيمانه والحب والكفاح، ولكنه يعلم أن الشارع لم يكن ليخرس أبدا عن النداء بأن يوشمها، كان يظل يكررها له في صوت رتيب، مليء بالولع
................
ظهر جيل جديد من أبناء الشوارع، هم لا يحبونه، كيف عاهرة شيميل قذرة أن يكون لها أي سلطة؟، أن يلتف حولها الصبيان، وتوشم الصليب، هو كان يدرك الغدر قادم، دائرة الكراهية تتسع، والشكوك تتناثر في الهواء، وهو متحفزا مستعدا للحرب، يشتم الهواء لكي يعرف القادم، ولكن لا يشتم سوى النذير المبين
.................
عزيزي، أعلم أنه كان لابد منه، لا أعلم لماذا، ربما لن أعلم أبدا، ولكن أنا أثق بك، لكني خائف، أنا خائف جدا، جدا، جدا، إلى حد الموت، أموت وأموت من الخوف
.................
مستلقيا على الأرض، ناظرا إلى السماء، غير قادر على الحراك، دمائه يتشربها الأسفلت، مطعون في بطنه، والأهم أنه طعن في قلبه، من قبل من اعتنى بهم من الصبيان، غير قادر على الحراك، استسلم لما تبقى من حواسه، مركزا في قلبه الذي يضعف نبضه لحظة بلحظة، رائحة الدماء والأسفلت، الجاذبية، صوت السحاب يمر في سلام وهدوء، حتى امتذجت كل الحواس، واستسلم للتلاشي
.............................
.............................