كانت لي صديقة أعرفها منذ زمن لا بأس به، نتقابل من حين لآخر، نتحدث كثيراً، معظم الكلام شكوى أو هروب من الملل، اتفقنا ذات مرة أن الجنس لن يغير شيئا من علاقتنا، و أننا سنظل أصدقاء، هى ظلت خائفة فترة أن أنظر إليها كساقطة أو شيئا من هذا القبيل، و لكني قلت لها أنني أعرفها عن قرب منذ زمن بعيد، و فكرة أنها تتحول في نظري كساقطة فهذا شيء صعب، قالت أن هذا ضرب من الازدواجية، و لكنها لم تفسر كيف
كنت أحكي لها عن أحلامي كثيراً، شجعتني على كتابتها لأنها أشبه بالقصص، تحسدني لأني أرى أحلامي بوضوح، قلت لها أن الوضوح أو عدم الوضوح ماهو إلا توازن الوعي، فكلما كان الواقع مشوشاً كلما كانت الأحلام واضحة، و العكس صحيح، بدليل - قلت لها - أن الأيام التي أكون مشغولا فيها في الواقع لا أحلم أحلاما واضحة، بل تصير مجرد عملية احتلام للعفل، و حينما أصاب بتبلد طبيعي من السأم المستمر تصير أحلامي واضحة كشاشة السينما.... تسخر هى من نظرياتي الهلامية
حكت لي ذات مرة حلمين من أحلامها، تقول أنها مازالت تتذكرهما بوضوح
قالت لي أنها في أول حلم كانت جالسة بمكان واسع قذر ضوءه أصفر، أشبه بجراج، يجلس حولها أناس قذرين مثل المكان، أشبه بعصابات المناطق الشعبية، و هى قد جاءت مرافقة لـ( باسم سمرة) الممثل، كان مصاباً بإعياء غامض لم تدر ماهو، و لكنه كان معجبا بها، ثم بدأ يلحس وجهها و شفتيهها أمام الجميع، كانت هى في حالة ذهول خفيف مع شعور طفيف باللذة و التقزز معا، و كانوا جميع من في المكان ينظرون إليها و شفاههم مفتوحة نصف فتحة بلهاء، ثم بعد ذلك سقط (باسم) مغشيا عليه، فقام أصدقائه بالتقاطه قبل سقوطه على الأرض، و قال لها و هو محمول : تعال معي، فذهبت معهم إلى الطابق الأعلى صاعدين سلالم قذرة _ أيضاً_و قبل أن تدخل الحجرة اعترضها رجل من أصدقاء (باسم) قائلا لها بغلظة أنها : (مش داخلة)، ردت بحدة أنه هو قد طلب منها أن تكون معه، قال أنه لا يعنيه هذا الكلام و : (مع السلامة ياختي)، هنا_تقول_بدأت تخمن أنهم ينظرون إليها كفتاة ساقطة، و تيقنت من ذلك حينما عادت إلى الطابق الأرضي و رأتهم يلمزون و يهمسون ناظرين إليها بطرف أعينهم و بكامل أعنيهم من رأسها حتى أخمص قدميها، و استطاعت التقاط كلمة (شرموطة)، و كانوا يلاحقونها و هى خارجة من المكان دون أن تلاحظ، كانت تعرفهم جميعاً، فمنهم أناس من الجيران، من الكلية ... من كل مكان، حتى تقول أنها رأت بائعة اللبن التي تجىء كل جمعة بيتها، تقول أنها وقتها شعرت بخزي قاتل يغمرها رغماً عنها، بالرغم من أنها مقتنعة تمام الاقتناع أنها لم تكن مخطئة، و لكنها قوة سلطة الأغلبية اللعينة و نظراتهم الحارقة تلك
ثم انتشر الخبر في سرعة البرق بالمدينة، خبر أن صديقتي (م) شرموطة، و بدأت النسوان في الشوارع يصحن و يشحن بأيديهن يرثين ماجري لبنات هذه الأيام و بعضهن كان يرمين حلل و ملاعق عليها، و الأطفال كانوا يجرون ضاحكين يرمون تراب و حجارة ناحيتها، ثم هى قررت الطيران في السماء كي لا يستطيعون الوصول إليها، و كانت في كل مرة تحاول النزول تداهمها واحدة من هؤلاء النسوة تحاول أن تلقي عليها شيئا ما، حتى وصلت إلى بيت من البيوت القديمة ذوي السقوف العالية و الزخرفات العتيقة، دخلت من الشرفة دون استئذان، رأت رجلاً عجوزا يعد العشاء، حينما رآها أدركت أنه يعرفها، فهى قد وصلت شهرتها إلى الآفاق، كان أبيض البشرة ذات عينين رماديتين لا يعبران عن شيء ما، شد كرسياً لمائدة عتيقة و قال لها قبل أن يجلس :( تتعشي ؟)، هنا_تقول_شعرت براحة مصحوبة بألم نابض، الألم حينما تستريح بعد طوال عناء، حينما يصير الألم جزءاً منك و قد اعتدت عليه و يختفي فجأة لتدرك أنه كان قابلا للإزالة، غمرها شعور بالامتنان لاحد له للعجوز، و جلست بالمائدة و لكن بعيداً عنه
ختمت الحلم بقولة : (كسم العقل الباطن)، و فسرت ذلك بأن لديها يقين خفي أن هذا هو شعورها تجاه نفسها، لأنها تضطر دائما أن تفعل كل شيء تريده في الخفاء دون أن تخبر أحداً، و من فعل أي شيء (أيييييييي شيء على حد قولها) في الخفاء فهو قد ختم بختم الإثم، و لو ساءت الأمور سيتحول الإحساس بالإثم إلى الخزي بدون وعي من صاحبه، حتى لو كان مقتنعا ألف مرة أنه لا يفعل أي شيء يخجل منه، ستبقي لديه ترسبات لرغبة خفية في الإنتقام ... الإنتقام من نفسه لأنه جبان، و الإنتقام من الآخرين لأنهم دفعوه لذلك
لم أقتنع كثيراً، قلت لها ربما هذا الشعور هو حساسية زائدة أو مازوخية، ردت بأنني لن أفهمها أبداً، لأن وضعها الاجتماعي كأنثي يختلف كثيراً عني كذكر
سألتها أن تكمل الحلم الثاني قبل أن تحدثني _للمرة الألف_عن الجحود الكوني تجاه الأنثى
اللوحة
Salvador Dali. The Simoniacs (illustration for the Divine Comedy) 1951.Watercolor on paper.