يوميات رجل حالم3
حلمت هذا اليوم بأختي (ن) ، كنت أسير في فضاء واسع ، كان يبدو لي كفناء مدرسة ، السماء كانت ليلية بلاقمر و لا نجوم ، رأيتها من بعيد واقفة تنظر لي بثبات و علي ثغرها إبتسامة خافتة ، شعرت بالفرح ..هرولت نحوها و هممت بإحتضانها و لكنها منعتني بإشارة صامتة من يدها دون أن تفقد إبتسامتها
خفضت رأسي من الخجل ، اقرتبت مني و قالت لي كلاماً لم أسمعه ، و لكنني استوعبت ما قالته لأنني كنت أومئ برأسي مراراً ، فجأة انتابني إحساس مؤلم هو مزيج من التعب و الحزن و الحنين فبكيت ، بكيت بصوت عال مخفيا وجهي بين يديّ لأنه تقلص مثل وجوه الأطفال حينما يبكون
احتضنتني (ن) و أخذت تربت علي كتفي ..مثلما كانت تفعل و أنا صغير
استيقظت علي أنيني ،كان أنيناً بلا دموع..... بهت لرؤية أختي في الحلم ، لم أرها منذ زمن ..ربما منذ سنة ..كدت أنساها
أنا لا أري عائلتي المصونة علي أية حال إلا لماماً ، الإقامة في مكان بعيد عن الأهل كان جزءاً من الخلاص بالنسبة لي ..كانوا يستنكرون غيابي الدائم بالطبع في بادئ الأمر ..و لكن الإنسان كائن متكيف بطبيعة الحال ...أصبحوا يعاملونني كالضيف حينما آتي إلي البيت ،و الضيف يصبح ثقيلاً إذا أطال الإقامة في بيت غريب ، فلم يوجد -علي حسب ذاكرتي - مشاعر حميمة قد جمعتني بيني و بين أبي و أمي ، لا أدري لماذا ..حينما أحاول تذكرهم تترائي لي خلفية رمادية لا داعي لها
أبي و أمي لا يميزهم أي شيء ، مثال نموذجي لغالبية البشر ..تلك النماذج التي لا تفيدها خمسون سنة - أو حتي مائة سنة- كي تفهم شيئاً ، و ما الذي أريده أن يفهموه ؟.. لا أدري ..أنا أيضاً لا أفهم شيئاً ، دائما مدفوع لأشياء كثيرة دون أن أفهم السبب ، و هذا ما يجعلني حانقاً .. مثلما أكون حانقاً علي ذبابة سخيفة تطاردني بإزيزها المزعج حول رأسي دون مفارقته
فقط (ن) ..هي كيان مميز لن أري مثله .. هي نسمة باردة وسط قيظ الصحراء ..شمس دافئة في سقيع الشتاء المظلم .. نور يضيء نفسي ....اه ، لا أريد وصفها بتشبيهاتي المهترئة هذه ..فقط هي (ن)
اللعنة علي الطفولة ، كل ماهو حدث في طفولتك محفور كاللعنة في نفسك حتي من دون وعيك ، لماذا يغمرني شعور بالحنين هكذا لتلك الأيام برغم أنها في أغلب الأحيان كانت كريهة ؟، لأنها من ذكريات الطفولة ، فذلك سبب كافي للحنين إلي تلك اللحظات
مجرد تذكر(ن) يبعث الراحة إلي عقلي بقدر ما يجلب لي الألم ، تلك المخلوقة التي كانت ملاكاً ينقصه جناحين كي يبعد بهما عن هذه الأرض الدنسة ، كنت أراها تذبل يوماً بعد يوم ... و تقبلت أن تكون إنسانة مثلي و مثل أبي و أمي ،وظلت محتفظة بإبتسامتها الملائكية و لكن مع مسحة من الحزن
كانت لي آمالاً عريضة في فترة المراهقة ...عريضة لدرجة تبعث الضحك أحياناً...من ضمنها حلم آخذ فيه أختي بعيداً ، و نعيش في بيت صغير من الطراز الأوروبي ، وسط مساحات شاسعة من الخضرة .. بالطبع كنت أفكر فيها كحبيبة ..هذه الخواطر كانت تعذبني و تجلب لي كره الذات ، و خاصة حينما كنت أراها في اليوم التالي تحييني مبتسمة و تعد لي الإفطار
اه ..لماذا ذكرتيني بكل هذا .. كيف كان لي الحصول عليك ؟ هل تعتقدين أيتها البلهاء أنك كنت ستجدين من يحبك و يفهمك أكثر مني ؟ كنت سأجعلك تفهمين كيف يكون فخر الأنثي بأنوثتها ..كم كنت أقول هذا في لحظات ما ، حينما كنت أخلع الأقنعة التي أحجب بها كل ما يجعلني أجن
حقا لا أريد رؤيتها مرة أخري
(ن) تتصل بي أحياناً ..تلومني لأنني لم أزرها منذ زواجها بذلك البغل ....تقول لي أنها حامل و أنني سأصبح خالاً ...تري هل هي ستصبح مثل أبي و أمي .. و ربما أنا ، تعيش الأعوام دون أن تفهم شيئاً ؟
أيتها الجميلة، لقد كدرتي يومي كله بسبب حلمك الدافئ هذا ..لم أتصور أنني مازلت أستطيع البكاء هكذا حتي لو في حلم
حلمت ليلاً حينما استلقيت بعد عودتي من الخارج بأنني و (ن) واقفان في نفس الفناء ليلاً ، كانت تمسح لي وجهي المبلول بالدموع بيديها و تغني بطريقة طفولية مثلما كانت تفعل و نحن صغار، أمسكت بيدي و سرنا قليلاً ، نظرت للسماء و فردت ذراعيها و هي مازالت ممسكة بيدي ، ففردت ذراعيّ مثلما فعلت ..و شعرنا بأنفسنا نطير عن الأرض .. وفي لحظات كنا في السماء
ضحكنا وسط السماء الليلية السوداء الخالية من القمر و النجوم ..كان صوت الهواء الخافت مدوياً في أذني ، أمسكت بيديها الإثنين و ظللنا ندور و نضحك
استيقظت في فزع .. قمت من السرير و ذهبت إلي الحمام لأغسل رأسي كله بماء بارد ، كنت أفعل هذا حينما أفكر فيها
نظرت إلي المرآة ..لم أدرإذا كانت هذه القطرات التي علي وجهي دموع أم ماء