Wednesday, October 19, 2005



لقد قرأت ( يوميات عبقرينو)..أقصد (يوميات عبقري ) لسلفادور دالي ، و في الحقيقة لا ينكر عبقرية دالي إلا أحمق للأسف الشديد (وكذلك من ينكر وسامته)



العبقريات توجّه إلي اتجاهات متباينة تبعاً لشخصية العبقري و إسلوب معيشته ، فأنا أعتقد أن العبقرية نوع من الطاقة ، وهذه الطاقة في البداية ربما لا تكون واضحة
مثل كتلة من الصلصال ، و الشخص العبقري يشكل هذا الصلصال كيفما يشاء و بالطبع يكون العمل مميز و لم يُصنع مثله من قبل ، و لكن قد يكون العمل آية في القبح العبقري
و هذا ما أعتبره في (سلفادور دالي )،فهو قد عبّر باتقان عن القبح الإنساني و كوابيسه و برع في التعبير عن هلاوسه الشخصية إلي لوحات ،و بقدر ما تكون قبيحة ، بقدر ما نري التناسق الجمالي فيها..فأحتار في تصنيفها

و لو تخيلنا عملية رسم الهلاوس اللحظية التي تأتي للمرء بالتأكيد يصبح أمراً صعب التنفيذ
علي سبيل المثال ، أنت قد حلمت بكابوس ما ، و رأيت فيه رؤي بشعة في مشاهد متتالية ومتباينة ، و تصف هذا الكابوس لشخص ما ، فطلب هذا الشخص أن ترسم هلاوسك و كوابيسك في لوحة زيتية
بالتأكيد سيكون أمراً ليس بالسهل أبداً و يحتاج إلي سعة خيال وبراعة في تحديد النسب، لأنك تحاول أن تنقل خيالات غير محددة إلي أشكال محددة في لوحة ما

لقد أمتعني الكتاب حقاً و كان يبهتني مدي الجنون الذي وصل إليه ذلك الرجل ولا أجد نفسي إلا و أردد قائلة ( هيهي.. أيابن المجنونة )


ولكن رغم ذلك كان يتصرف بمنتهي الوعي مع البشر المحيطين به

فعلا هو كما قال عن نفسه : (الفرق بيني وبين المجنون هو أنني لست مجنوناً)



لكنه كان مجنوناً نابهاً بعض الشيء، فهو كان يحب الثراء و الرفاهية ، وأن يكون محاطاً بالمعجبين و المعجبات قائلا لأصدقائه بأن هذه الأضواء المحاطة لا تزعجه علي الإطلاق ساخراً من بيكاسو ذو الفكر الإشتراكي


و أيضاً كان يملك منطقاً غريباً بعض الشيء ، هو مزج النتانة البشرية المادية بالصوفية و الروحانية ، أحنقتني الفكرة في أول الأمر، لأنهما لا يتساويان أبداً
فلقد قال هذا المخبول هنا:
( إن إعصار دالي الفلسفي يتشوق لسحق و تدمير كل شيء بمدفعية نيترونية فوق ذرية كي يحول الخليط البيولوجي من الأحشاء النشادرية الدنسة إلي طاقة روحانية محددة ، فإن وجود الإنسان و هدفه علي الأرض سيكون قد تحقق ، و كل شيء سيصبح ثميناً)

و لكن أعتقد أن ما يلجم الروح الذي يتكلم عنه من التحرر و الخفقان هو الجزء المادي من الإنسان

و أصابني الغيظ أيضاً من آرائه الوقحة لكثير من فناني عصره و غير عصره ، وخاصة رأيه في لوحات (إل-جريكو) و الذي أعشق أعماله وخاصة ألوان السماء الكابوسية التي كان يصورها

عجبني ولعه الشديد بزوجته (جالا) إلي الآخر ، فحتي بعد موتها زهد الحياة و انعزل الحياة ثم أصابه بعد ذلك الشلل الرعاش ليموت بعد موتها بسبع سنين ...كانت ملهمته في كل شيء بشكل ما....و لا أعلم لماذا أشعر بأن حبه ل(جالا) هو إثبات بأنه لم يكن أفاقاً متصنع الجنون و العبقرية

أظن أنه عاش مستمتعاً- ولا نقول عاش سعيداً-فما يريد الفنان الرسام من الحياة سوي المعاناة من أجل شقاء البشر وهو جالس علي كرسي وثير و بجانبه قهوته المفضلة في ( الأستوديو) الخاص به منتظراً الفرج ؟...أقصد الإلهام

(دالي ) ذاته لم ينكر ذلك فقد قال:
إن أسهل الطرق لعدم تقديم تنازلات للذهب ، أن تمتلكه، حين يكون الإنسان غنياً فلا فائدة من الإلتزام بشيء ، البطل لا يدخل في أي إلتزام ، إنه النقيض تماماً للإنسان الداجن الأليف و كما قال الفيلسوف القطالوني( فرانشسكو بيول ):
(الطموح الأكبر للإنسان علي المستوي الإجتماعي هو الحرية المقدسة في أن يعيش دون الحاجة لأن يعمل )

في رأيي ذلك ليس في كل الأحوال-كما قلت ربما تصلح تلك النظرية للفنانين ذوي الأيدي الناعمة- حيث إذا كان هناك عمل تحب أن تؤديه و مارسته بالفعل فذاك درباً من الحرية النادرة
ولكن المأساة الكبري هو أننا دائماً منقادون لأعمال لا تناسبنا ولا نحبها

حقاً (دالي) كان شخصية فذة بشكل من الأشكال ، و لا يهم إن كانت آرائه صح أم خطأ ، أو إن كانت لوحاته تعجبني أم لا ، و لكن من الصعب أن يأتي الزمن بتركيبة مثل تركيبته هذه ، و إن جاء فمن الصعب أن يحظي بنصيب من الحظ مما ناله (دالي)!!

من يدري ، ربما لو كان من مواليد مصر لانتهي به الأمر إلي مصحة عقلية ،أو شخص منعوت بغرابة الأطوار بدلاً من أن يكون ( الرسام العبقري السوريالي )!!

و دمتم
.....

7 comments:

Ghada said...

بحب دالي
بحب بجاحته، ونرجسيته
وطبعاً بحب فنه
لكن دالي مش مجرد رسام، أعتقد انه آيكون.. أو رمز

"و أيضاً كان يملك منطقاً غريباً بعض الشيء ، هو مزج النتانة البشرية المادية بالصوفية و الروحانية"

يا عزيزتي.... الجمال والقبح، والنتانة والروحانية ، كلها وجهان لعملة واحده.. بينهم شعره

"من يدري ، ربما لو كان من مواليد مصر لانتهي به الأمر إلي مصحة عقلية ،أو شخص منعوت بغرابة الأطوار"

هههههههه، فعلاً، ويمكن بقى موظف عادي، يروح الشغل ويرجع بالبطيخة

المقال جميل، بينم عن فهم خاص لدالي، واللوحة اللي انتي حطاها فوق تحفة، بموت فيها

Ahmed Shokeir said...

اللى كمان حلو أوى فى دالى بارفاناته
واللى أجمل وأجمل زجاجات البرفيوم بتاعته الحريمى بالذات تجنن .. عبارة عن لوحات فنيه تجسيديه . تحفه

mindonna said...

غادة : لما شفت أعمال دالي مقدرتش منبهرش ، بس أنا مش معجبة بيه كرسام

في ناس تانية أحسن بالنسبة لي رغم أنه قد يكون أفضل منهم في المستوي الفني

شوكير : طب تصدق بالله

أنا كنت متوقعة منك انت بالذات تتريق يا شوكير
مااااشي مااشي:)

Michel Hanna said...

الراجل ده جنني يا ميندونا!
شوفي هنا:
http://mostanqa3at.blogspot.com/2005/10/blog-post_22.html

KING TOOOT said...

على فكرة يا ميندوننا
أنا رأى الشخصى أن فلسفة دالى اللى مش ناس كتير جدت بالها منها ,, واضحة جدا ً فى لوحة واحدة رسمها أسمها المسيح و هى بتصور المسيح لحظة الصلب و رسمها من منظور طائر
ياترى فهمتى فلسفته أللى أنا أقصدها ؟
KING TOOOT

mindonna said...

لا في الحقيقة مش فاهمة المقصود منها
ممكن يكون المنيّل يقصد بيها ان الاله بينظر للسيد المسيح من فوق و لا حاجة

انت تقصد اللوحة اللي اسمها

Christ of Saint John of the Cross, 1951

عموما هتلاقيها في الموقع ده ، انا عايزة اتأكد بس
http://www.dali-gallery.com/html/galleries/painting18.htm

مستنية الرد :)

KING TOOOT said...

طبعاً
هى بالظبط اللوحة أللى أنا أقصدها و معناها أن منظور الطائر ده منظور عينه هو شخصيا ً ,, أتمنى أن تكون الفكرة بقت واضحة .. هى دى فلسفة دالى فى الحياة ,, علشان كده كان بيعمل أللى هو عايزة بدون مراعاة لأى عادات أو أعراف أو تقاليد لأنه بالنظرة دى لنفسة يبقى مش من حق حد يحاسبة
عالم فنانيين بقى
KING TOOOT