Sunday, October 30, 2005

التراويح و الأفيون و سيدات خريف العمر


صلاة التروايح في هذه السنة لم تكن جميلة مثل السنة الماضية ،ولا يعني ذلك أنها لم تكن جميلة هذه السنة ، كل ما في الأمر أن التراويح في السنة الماضية كانت أجمل
الجامع في الطابق الثاني مزدحم ،ولذلك كنا نضطر إلي الصعود في سطح الجامع ،وكان السطح مزدحما أيضاً

اكتشفت أن السطح مكان جميل للصلاة نظراً للهواء الطلق و الضوء الخافت و السماء السوداء التي تضيء بقليل من النجوم من حين لآخر (هي البلد دي فقر حتي في نجوم السما )


وجعلني هذا الأمر أتابع أطوار القمر في الشهر الكامل، كان أمراً مسلياً حيث كنت أتابع مكان وشكل القمر كل يوم

و تخيلت أن علم الفلك علم ممتع يجعل الشخص عينيه شاخصتان إلي السماء دائما (علاج مثالي للتلوث البصري التي تصيبنا به الأرض)

كانت هناك أمهات يحضرن معهن أطفالهن الصغار ، يلعبون و يجعجعون و يتشاجرون أثناء الصلاة في السطح ،عقب كل ركعتين أنظر إليهم شزراً وأهددهم وهم يضحكون و يتسلون بالتحديق فيّ أثناء الصلاة
أطلب من الأمهات بطريقة أحاول أن تكون لطيفة (خدوا العيال المتشردة دي و انكشحوا من هنا )طبعا هذه الجملة قلتها بداخلي
أقول لصديقتي (م) بأن الجامع ليست حضانة،وتقول لي بأنني لن أصلح لكي أصبح أماً

وغالبا هي علي حق

************

ومن أكثر الأشياء التي أثارت حنقي ،استغلال التراويح للدعاية لمرشح معين للإنتخابات (مجلس التنابلة الحلوين ..مجلس الشعب)
تخاطبنا سيدة ما بأننا يجب أن ننتخب المسلم التقي الحاكم بأمر الله ونرشح الرجل الصالح لذلك
و توزع كارت دعاية بإسمه وعلي وجهها ابتسامة صفراء عريضة....تجول في خاطري أفكار(وحشة) علي غرار
(الدين أفيون الشعب) لا لا ( الدين أفيون الجهلاء ) لأ لسه برده ...
طبعا العبدة لله مقتنعة بأن الدين ليس أفيونا ...ولكن البشر استغلوا الدين حتي (يُأفينون) بها الجاهل
الكل هنا مقتنع بكلام السيدة طبعا
لا أدري ولكن إحساس ما بأنني منافقة دخلت الجامع للصلاة ينتفخ بداخلي
(الله يخرب بيت الغباء ..المدونات دي لعبت في دماغي )...فلألوذ ببعض الذي أعلمه ،ولأبتعد عن المهاترات اللامجدية

***************

دائما كنت أحب صحبة سيدات منتصف العمر (الأربعينات و الخمسينات) وأصلي معهن،ربما الإحساس بوجود شخص عاقل بجانبي ،غالبا حتي في الحياة العادية أحب مجالستهن أحياناً وتبادل أطراف الحديث معهن و شرب القهوة...حينما يصيبني الضجر من حماقة نفسي وحماقة الشباب ،برغم أن أغلب الحوار أحادي الطرف يتلخص في وصايا شبيهة بوصايا (أم إياس العشر) وعن وجوب فعل الخير والحياة كما يرضي الله وعن (الرجالة اللي اتمنع صُنعهم من زمان )
أحيانا أري في كلامهن إجمالي محصلة الحياة ، وهذه الحقيقة ترعبني
بأن الإنسان قد يذهب ويجيء ويتوه و يدور ويصل في نهاية المطاف إلي جملة أو جملتين تلخص حياته المليئة في ورقة صغيرة بيضاء بخطوط سوداء قاسية

(صدقيني يابنتي ،مفيش حاجة تستاهل ،لا الراجل ولا المال .. و لا حتي العيال ، كله بيحصل بعضه)
العمة (أ) قالتها في لحظة صفاء ، قاست كثيراً مع زوجها النذل الذي قضي معظم حياته بعيداً عنها لكي تتوه في تربية أطفالها الطيبين فاقدي الحنان ،ربما قالت ذلك من باب الإحساس بالحسرة علي ما تكبدته
(اه ، عندك حق والله يا طنط (أ) ) أرد عليها بآلية

ليت الحكمة تكون حاضرة دائماً ، ولكن تضطرني الحياة كثيراً إلي جرجرتي كي أتوه في الإسهاب ،نسخ مكررة من المواقف واليوميات

ربما أقف لاهثة من التعب يوماً ،وأكتشف مثل الآخرين أن حياتي لم تحقق ما أردته منها ، وأنها بدلاً عن ذلك قد أخذت كل ما أحببته دون أن تعطيني حتي الرمق مخرجة لسانها إلي العبدة لله

و أكتشف- مثل الآخرين أيضاً- أنني ظننت بالإمكان صنع شيئاً مميزاً من عالمي

-(م) ، إيه رأيك في تراويح السنة دي ؟
-السنة اللي فاتت كانت أحسن
-تفتكري لو كنتي في زمن تاني كنا هنكون إيه ؟
-جارية حلوة بتعرف تلقي شعر
-هيهي حلوة تصدقي ، الواحد كان هيبقي باله رايق خالص مش وراه غير انه يغني و يحط مسك ويروح السوق و...وخلاص !!
-وانتي كنتي عايزة تبقي إيه
- أبقي درويش ، علي الأقل مش هخاف علي حاجة أخسرها من الدنيا بنت... دي

******************

البرد كان قارساً للغاية في السطح أثناء الإعتكاف ،وجلست أقرأ القرآن متكورة علي نفسي محاولة حماية صدري من البرد

تخيلت بأن الدراويش من النساك و أهل الدين الزهّاد كانوا يظلون في هذا البرد القارس طوال الشتاء (تري ماذا كانوا يرتدون؟) ، كما أن الشمس كانت تحرقهم بلاشك في شهور القيظ

وأتساءل تري متي تحضر الحكمة التي تنقذني من هذا الإحساس القديم بالتعاسة

..........

ربما لن تأتي

6 comments:

Unknown said...

أسلوب جميل أفتقده شخصياً حتى أني أجد أفكاراً حبيسة هذا اللذي قد يكون دماغي أو شيئاً آخر قلت أفكاراً تحتاج شيئاً من أسلوبك أو كله لتتحرر مني تدوينتك هاته حملتني إلى سطح المسجد المذكور شاهدت الأطفال يصولون ويجولون وتلك الست التي صلت أمامك حتى أنها كانت ترتدي الأسود آه على فكرة والله تهبلي بالزي الإسلامي

unknown said...

بالنسبه لموضوع الاطفال انا معاكى جدا مش كمان مسأله حضانه ده بيفقد المكان سكينته وقدسيته

وموضوع حبك للناس الكبار ده عادى وكلنا بنتمنى زمن مختلف
بس صدقينى الافضل اننا نعيش زمانا ده

كل زمن له جماله
وكل سنه له جماله
ومن العبث اننا نضيع عمرنا فى تمنى ما لن يحدث
واعتقد افى راىى ان كده أحسن من ان يبقى كل الى ورانا اننا نحط مسك ونروح السوق ونلقى الشعر

mindonna said...

كناوي : شكرا علي إطراء لا أستحقه يا كناوي

لا أعتقد أنني سأجد من يمدحني و أنا بالزي الإسلامي سواك:)

المجهول: شكرا علي تضامنك

أنا بحب الكبار ، لكن متمناش أكون زيهم ، أنا بحب صحبتهم بس لا غير

و عن الزمن القديم ، احنا دايما بنقول عليه زمن جميل
و لكن نحن نقول عليه كان جميلا لمجرد أننا لم نعش في هذا الزمن
فالهموم في كل زمان و مكان واحد و متشابه

و لكنني أتخيل فقط لو أصبحت درويشة ، ربما وسيلة لا بأس بها للهروب و لكنها غير ممكنة في هذا الزمن
ليس حلا سعيدا و لكنه حلا مريحا نوعا

KING TOOOT said...

الحكمة من فوق الأيام
تفضح عار الدنيا تماما ً
تنهى من عقلى أحلاما
تلقى فى جوفى بمرارة
تُألمنى أشد أيلاما
و تعرّى حقيقة حاضرنا

فى كلمة أو نصف عبارة
لتلخص عمراً أو محنا ً
فى شفاه تلقى بكلاما ً
KING TOOOT

Pianist said...

الهروب جميل وحل سهل وسعيد اوي
عشان كده انا شايف ان الانتحار هوه الحل

mindonna said...

باشا يا كينج توت

كلامك عجبني أوي


بيانست :بتسمي الإنتحار هروب
هو هروب اه بس هو يعتبر هروب من البوتاجاز إلي الفرن
فاهم قصدي طبعا